أن يصومَ في السَّفَرِ؛ وإنَّما هو فيمَن شهِدَ الهلالَ: ألَّا يسافِرَ وهو ليس على الإلزامِ؛ فروى ابنُ جريرٍ، عن أبي يَزِيدَ، عن أُمِّ ذَرَّةَ، قالتْ:"أتيتُ عائشةَ في رَمَضانَ، قالتْ: مِن أين جِئْتِ؟ قلتُ: مِن عندِ أخي حُنَيْنٍ، قالتْ: ما شأنُه؟ قالتْ: ودَّعْتُهُ يُرِيدُ يرتحلُ، قالتْ: فأَقْرِئِيهِ السَّلَامَ، ومُرِيهِ فليُقِمْ، فلو أدركَني رمضانُ وأنا ببعضِ الطَّريقِ لَأَقَمْتُ له"(١).
وهذا ظاهرٌ في قولِها:"لَأقَمْتُ لَهُ"؛ لأنَّها تكرَهُ أنْ يرتكبَ الإنسانُ سببًا يُوجِبُ فِطْرَهُ وقد طلَعَ عليه الهلالُ حاضرًا.
ولعلَّها تريدُ دَفْعَ التساهلِ في صيامِ رمضانَ، والتغافُلِ عن ساعاتِهِ ولياليهِ الفاضلةِ بسَفَرٍ مُبَاحٍ أو طاعةٍ مرجوحةٍ، ولا خلافَ عندَ السَّلَفِ: أنَّ الإقامةَ في رمضانَ للصومِ والعبادةِ أفضلُ من السَّفَرِ المباحِ ولو صام فيه الإنسانُ؛ لأنَّه ولو صامَ ينشغلُ ويَعجِزُ عن بقيَّةِ الطاعاتِ؛ فكيف بمَن يُسافِرُ ويُفطِرُ؟ !
والمسافِرُ له الترخُّصُ بالفطرِ عندَ عامَّةِ السَّلَفِ، وأنَّ الصيامَ لا يجبُ عليه إذا دخَلَ عليه رمضانُ وهو حاضِرٌ؛ رُوِيَ هذا عن ابنِ المسيَّبِ والحسَنِ والنَّخَعيِّ، والحكَمِ وحمَّادٍ.
فالمرادُ بالشهودِ هنا: شهودُهُ وحضورُ هلالِه مع التكليفِ بلا عذرٍ، وجَبَ على شاهِدِه صيامُهُ.
وقد قال أبو حنيفةَ وأصحابُهُ: مَن شَهِدَ رمضانَ وهو صحيحٌ عاقلٌ بالغٌ، فعليه صومُهُ، فإنْ جُنَّ بعدَ دخولِهِ عليه وهو بالصفةِ التي وصَفْنا، ثمَّ أفاقَ بعدَ انقضائِه، لَزِمَهُ قضاءُ ما كان فيه مِن أيَّامِ الشهرِ مغلوبًا على عقلِه؛ لأنَّه كان ممَّن شهِدَهُ وهو ممَّن عليه فُرِضَ.