القاضِي زوجَتَهُ منه، أنَّها تَحِلُّ للزَّوْجِ الجديدِ ولو عَلِمَ شهادةَ الزورِ، قياسًا مِن أبي حنيفةَ على اللِّعَانِ؛ وذلك أنَّ القاضيَ يفصِلُ بينَ الزوجَيْنِ، وأحدُ المتلاعِنَيْنِ كاذبٌ، ولا يتمُّ فَصْلُ الزوجةِ عن زوجِها إلَّا بذلك، ولو عَلِمَ الحاكمُ كَذِبَ أحدِهما، لَأَقَامَ عليه الحدَّ ولم يفرِّقْ بينَهما؛ لكونِهِ قَذْفًا، ولكنَّه فرَّقَ بينَهما مع عِلْمِهِ بالكَذِبِ، وجازَ للزَّوْجةِ أنْ تتزوَّجَ، ولزوجِها الجديدِ أن يَعقِدَ عليها مع عِلْمِهِ بلعانِها.
وفي الآيةِ: تحريمُ دفعِ الرِّشْوةِ للحاكمِ وتحريمُ أَخْذِهِ لها، والرِّشْوةُ مِن الكبائرِ، وهي شبيهةٌ بالرِّبَا أو أعظَمُ منه؛ لأنَّ الرِّبَا فيه فسادُ العامَّةِ فيما بينَهم، والرِّشْوةُ فيها فسادُ العامَّةِ والخاصَّةِ؛ الحاكمِ والمحكومِ، والرِّبا فيه فسادُ الأموالِ، والرِّشْوةُ فيها فسادُ الأموالِ والسِّيَاسةِ، وكلَّما علَا آخِذُ الرِّشْوةِ وارتفَعَ مَنْزِلةً في الناسِ، كانتِ الرِّشْوةُ أعظَمَ فسادًا في الأُمَّةِ.
وإنَّ الحاكمَ والقاضِيَ قد يحكُمُ بالخطإِ؛ لعدمِ ظهورِ حُجَجِ الصوابِ لدَيْهِ، فيُعذَرُ، وقد يحكُمُ بالباطلِ عمدًا مع ظهورِ حُجَجِ الحقِّ عندَهُ، فيَهلِكُ، وحكمُهُ بالباطلِ إمَّا لصلتِهِ بالظالمِ الذي يقضِي له، بنَسَبٍ أو حسَبٍ، وإمَّا لأخذِه المالَ منه رِشْوةً، وكِلاهمَا هلاكٌ، والأُولى أعظَمُ مِن الثانيةِ؛ لأنَّه باعَ دِينَهُ ودنياهُ بدُنْيا غيرِه.
وآكِلُ المالِ الحرامِ - ولو رُبُعَ درهمٍ - فاسِقٌ باتفاقِ العلماءِ، خلافًا للمعتزِلةِ الذينَ لا يفسِّقونَ إلا مَن أكَلَ مِن الحرامِ عشَرَةَ دراهِمَ فما فَوْقُ، وهذا قولُ الجُبَّائِيِّ.
وبعضُهم يقولُ: يفسُقُ مَن أكَلَ مِئَتَيْ دِرْهَمٍ فما فوقُ؛ وهذا قولُ بِشرِ بنِ المُعتَمِرِ.
وبعضُهم يقولُ: يَفسُقُ مَن أخَذَ خمسةَ دراهمَ فما فوقُ؛ وهو قولُ أبي الهُذَيْلِ العَلَّاف.