للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونَهَى عن التفرُّقِ والوَحْدةِ؛ ففي "السننِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: (يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَدَّ شَدَّ إِلَى النَّارِ) (١).

وروى أحمدُ، وأبو داودَ، عن أبي الدَّرْدَاءِ؛ قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: (عَلَيْكَ بِالجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) (٢).

والوَحْدة يستقيمُ أمرُ الإنسانِ بها بلا فسادٍ غالبًا؛ لأنَّ الفسادَ يتحقَّقُ باجتماعِهِ مع غيرِهِ، كما يحصُلُ الزِّنى والسرقةُ والقتلُ والغِيبةُ وغيرُ ذلك، ومع هذا فقد أمَرَ اللهُ بالاجتماعِ؛ لأنَّ منافعَ الاجتماعِ أكثرُ من مضارِّهِ، ولا بدَّ لهذه المفاسدِ الناشئةِ عن الاجتماعِ من حُكمٍ يضبِطُ، ونظامٍ يحكُمُ.

ودفعُ الفسادِ لا يكونُ إلا بإمامٍ عَدْلٍ؛ لذا وجَبَ التأميرُ على الناسِ في الحَضَرِ والسَّفَرِ؛ لأنَّ أمرَ الجماعةِ لا يصلُحُ إلا بذلك، وتُدفَعُ له المشاحَّةُ فيما بينَهم؛ وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ.

وتتحقَّقُ الوِلَايةُ من وجهَيْنِ:

أولًا: ثبوتُ النصِّ من الوحيِ بذلك، والنصُّ: إمَّا أنْ يكونَ عامًّا، أو خاصًّا - والخاصُّ رُفِعَ بانقطاعِ الوحيِ -:

أَمَّا النصُّ الخاصُّ: فكثبوتِ خلافةِ أبي بكرٍ؛ فإنَّ خلافتَهُ دلَّ عليها الدليلُ الصحيحُ؛ لأمورٍ ليس هذا مَحَلَّ بسطِها.

وإمامةُ الصلاةِ في الصدرِ الأولِ كانت للإمامِ الأعظمِ، وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقدِّمُ أبا بكرٍ فيها، وإذا أرسَلَ سَرِيَّةً، جعَلَ الأميرَ يصلِّي فيهم، وهكذا بنبغي للمسافرِينَ أنْ يصلِّيَ فيهم أميرُهم؛ ففي "المصنَّفِ" لعبدِ الرزَّاقِ، عن مُهاجِرِ بنِ ضَمْرَةَ؛ قال: اجتمَعَ أبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، فقال سعيدٌ لأبي سَلَمةَ: حدِّثْ؛ فإنَّا


(١) أخرجه الترمذي (٢١٦٧) (٤/ ٤٦٦).
(٢) أخرجه أحمد (٢٧٥١٤) (٦/ ٤٤٦)، وأبو داود (٥٤٧) (١/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>