للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استَجار بها، فيجوزُ قتالُهُ وقَتْلُهُ؛ لِمَا روى أنسُ بنُ مالكٍ: "أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دخَلَ مكَّةَ عامَ الفتحِ وعلى رأسِهِ المِغْفَرُ، فلمَّا نزَعَهُ، جاءَ أبو بَرْزَةَ، فقالَ: ابنُ خَطَلٍ متعلِّقٌ بأستارِ الكَعْبةِ؟ فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (اقْتُلُوهُ) (١)، وابنُ خطلٍ هذا هو عبد العُزَّى - أو: عبدُ اللهِ - ابنُ خطلٍ التَّيْمِيُّ كان مُسْلِمًا فارتَدَّ، فأخَذَ في سَبِّ النبيِّ والطَّعْنِ فيه والتنقُّصِ منه، وصَدِّ الناسِ عنه، فأهدَرَ النبيُّ دمَهُ".

وظاهرُ حديثِ أنسٍ: أنَّ النبيَّ قتَلَهُ لمَّا وضَعَ - صلى الله عليه وسلم - المِغْفَرَ عن رأسِه، وقدِ انقضَتِ الساعةُ التي أَحَلَّ اللهُ له فيها مَكَّةَ، وانتهتِ الحربُ، فكان قتلُه حَدًّا؛ لِردَّتِهِ، لا محارَبةً؛ كما قاتَلَ المشرِكِينَ في قتالِ المواجَهةِ، فحُكْمُهُ كمَن كان في حُكْمِ المسلِمِينَ وارتَدَّ؛ فدَلَّ ذلك على إقامةِ الحدودِ في مَكَّةَ.

وبهذا قال غيرُ واحدٍ مِن السَّلَفِ.

وقد روى ابنُ المُنذِرِ، عن طاوسٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ في قولِه - عز وجل -: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧]؛ قالَ: "مَنْ قَتَلَ، أَوْ سَرَق فِي الحِلِّ، ثُمَّ دَخَلَ الحَرَمَ، فَإِنَّهُ لا يُجَالَسُ، وَلا يُكَلَّمُ، وَلا يُؤْوَى، وَلَكِنَّهُ يُنَاشَدُ حَتَّى يْخْرُجَ، فَيُؤْخَذَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ مَا جَرَّ، فَإِنْ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ فِي الحِلِّ، فَأُدْخِلَ الحَرَمَ، فأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ مَا أَصَابَ، أَخْرَجُوهُ مِنَ الحَرَمِ إِلَى الحِلِّ، فَأُقِيمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَ فِي الحَرَمِ أَوْ سَرَق، أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الحَرَمِ" (٢).

وبهذا قال عطاءٌ ومجاهِدٌ وقتادةُ.

وقال مالكٌ: بإقامةِ الحدودِ مطلقًا.


(١) أخرجه البخاري (١٨٤٦) (٣/ ١٧)، ومسلم (١٣٥٧) (٢/ ٩٨٩).
(٢) "تفسير ابن المنذر" (١/ ٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>