للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربُ يُشَدِّدونَ في اليتِيمِ حتَّى لا يَأكُلُوا معه في قَصْعةٍ واحدةٍ، ولا يَرْكَبُوا له بعيرًا, ولا يَستَخدِمُوا له خادِمًا، فجاؤوا إلى النَّبِيِّ ، فَسَألُوه عنه؟ فقال: ﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾؛ يُصلِحُ له مالَهُ وأَمْرَهُ له خيرٌ، وإنْ يُخالِطْهُ فيأكُلْ معه ويُطعِمْهُ ويَرْكَبْ رَاحِلَتَهُ ويَحمِلْهُ، ويَستخدِمْ خَادِمَهُ ويَخْدُمْهُ، فهو أَجْودُ، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ (١).

ورواهُ العَوْفِيُّ عنِ ابنِ عبَّاسٍ بنحوِه (٢).

ورُوِيَ عنِ الضَّحَّاكِ كذلك (٣).

ولعلَّ العرَبَ لم يكونوا على حالٍ واحدةٍ؛ ففيهِمُ المتساهِلُ، وهم الأكثرُ، وفيهِمُ المتشدِّدُ على نَفْسِهِ وعلى اليتيمِ بما يَضُرُّه ويَضُرُّ اليتيمَ، وهم قِلَّةٌ، وكِلا الحالَيْنِ بحاجةٍ إلى بيانٍ.

وقد بَيَّنَ اللهُ حالَ مُخالَطتِهم كمُخالطَةِ الإخوةِ بلا حَرَجِ؛ ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾؛ فعن ابن وهبٍ؛ قال: قال ابنُ زَيْدٍ: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾، قال: "قد يُخالِطُ الرَّجُلُ أخَاهُ" (٤).

ومُخالَطةُ الإخوةِ فيها مِن المُسامَحةِ والمَوَدَّةِ التي لا يُحِبُّ الإنسانُ معها أنْ يُضِرَّ بمالِ أخيه كمالِهِ؛ كما في الحديث: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) (٥)، فهو يُحِبُّ في مالِهِ الحفظَ، ويَرضى فيه المسامَحَةَ، وعلامةُ صدقِ الإنسانِ في ذلك: نِيَّتُهُ الحَسَنةُ؛ ولذا قال اللهُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾؛ يَعني: مَن بَيَّتَ إصلاحَ المالِ وحِفظَهُ بمسامَحةٍ، ومَن بَيَّتَ إفسادَه وجعَلَ المسامَحةَ في الخُلْطةِ بابًا للتزيُّدِ والتكثُّرِ والتربُّصِ بمالِ اليتيمِ.


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٠٣).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٠٤).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٠٤).
(٤) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٠٥).
(٥) أخرجه البخاري (١٣) (١/ ١٢) ومسلم (٤٥) (١/ ٦٧)؛ من حديث أَنَسِ بنِ مالكٍ .

<<  <  ج: ص:  >  >>