للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَزْلِ، فكما أَذِنَ اللهُ بالإتيانِ عدَ الحاجةِ، فكذلك الولدُ - وهو الزرعُ - يُطلَبُ عندَ الحاجةِ؛ ومِن هذا قولُ ابنِ عباسٍ في هذه الآيةِ: "إِن شِئْتَ فَاعْزِلْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَعْزِلْ"؛ وبنحوِه عن ابنِ المسيَّبِ (١).

وقولُه تعالى: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾: قيل: المرادُ به ما شَرَعَهُ اللهُ عندَ الجِمَاعِ مِن ذِكْرِ اللهِ، وحُسْنِ القَصْدِ، وطبِ الولدِ؛ رجاءَ عَوْنِهِ وعبادتِهِ للهِ وطاعتِهِ له؛ رَوَى عطاءٌ عن ابنِ عباسِ: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾؛ قال: "يقولُ: باسمِ اللهِ" (٢).

ورُوِيَ عن عِكْرِمةَ؛ أنَّ المرادَ بـ ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾؛ يعني: الولَدَ (٣).

* * *

قال تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٤].

دَلَّتِ الآيةُ على النهيِ عن النَّذْرِ واليمينِ الي تُتَّخَذُ مُلزِمةً للعبدِ ألَّا يُطِيعَ اللهَ، ولا يعملَ البِرَّ ولا يُحسِنَ إلى الناسِ، فإذا أراد أحدٌ عدَمَ فعلِ الخيرِ، أقَسَمَ على نفسِه أنْ يترُكَ الخيرَ، فيجعَلُ اليمينَ حائلةً بينَهُ وبينَ الطاعةِ والإحسانِ؛ فهو يعظِّمُ اليمينَ لأجلِ أنَّه حلَفَ باللهِ، ولا يعظِّمُ أمرَ اللهِ الذي أمَرَ بالطاعةِ والمعروفِ والإحسانِ؛ فكأنَّه يَضرِبُ أمرَ اللهِ بتعظيمِ اللهِ؛ ليحقِّقَ رغْبَتَهُ وهواهُ في تركِ ما لا يُرِيدُ مِن الخيرِ والبِرِّ والإحسانِ إلى الناسِ.

فقولُهُ: ﴿عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾؛ يعني: عارِضًا قويًّا تتَّخِذُونَهُ وتتساهَلُونَ به، في إلزامِ أنفُسِكُمْ بتركِ الخيرِ والِبرِّ.


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٥٤).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٦٢).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>