قُلُوبُكُمْ﴾؛ وقال بهذا الشافعيُّ وغيرُهُ، خلافًا لجمهورِ الفقهاءِ، فقد قالوا بعدَمِ انعقادِها؛ وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ والأوزاعيِّ؛ وذلك لعَدَمِ انعقادِ القلبِ على عزمِ أن يَفعَلَ أو لا يفعَلَ، والأدلَّةُ مِن الكتابِ والسُّنةِ في الكفَّارةِ إنَّما هي في عقدِ العزمِ على المستقبَلِ فِعْلًا أو تَرْكًا، وليس فيها شيءٌ عن الماضي، وليس في الأدلَّةِ ما يؤيِّدُ ذلك، وقد قال ابنُ المنذِرِ:"ليس في الأدلَّةِ خبَرٌ يدلُّ على هذا".
ويأتي مزيدُ كلامٍ في اليمينِ الغَمُوسِ في تفسيرِ سورةِ آل عمران في قولِ اللهِ تعالى: ﴿يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [٧٧].
ومِن العلماءِ: مَن قيَّدَ المؤاخَذةَ في الآيةِ بالمؤاخذةِ في الآخِرةِ فحَسْبُ، وأمَّا الكفَّارةُ فهي تثبُتُ لأَيْمانٍ مخصوصةٍ دلَّ عليها الدليلُ بغيرِ هذه الآيةِ، وأنَّ الكفَّارةَ الواردةَ في آيةِ المائدةِ خاصَّةٌ ببعضِ الأيمانِ التي انعقَدَ عليها القلبُ لا كُلِّها.
كَسْبُ القلبِ: قَصْدُهُ، وللقلبِ كَسْبٌ، وهو كلُّ ما يُؤاخَذُ به، فإذا اجتمَعَ القصدُ القلبيُّ، ولفظُ اليمينِ، كانت يمينًا، وقد جاء عن عَطَاءٍ، قال:"لا تُؤَاخَذُ حَتَّى نَقصِدَ الأَمْرَ، ثُمَّ تَحْلِفَ عَلَيْهِ بِاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَتَعْقِدَ عَلَيْهِ يَمِينَكَ"(١).
ثمَّ ذكَرَ اللهُ غُفْرانَهُ لِعبادِهِ وحِلْمَهُ عليهم؛ بعدمِ التشديدِ بالمؤاخَذةِ في كلِّ ما يقولونَ ولو كان لَغْوًا.