للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعَهْدِكُمْ﴾؛ يقولُ: أَوْفُوا بما أمرتُكم به مِن طاعتي ونهيتُكم عنه مِن معصيتي في النبيِّ وفي غيرِهِ، ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾؛ يقولُ: أرْضَ عنكم، وأُدخِلْكمُ الجنةَ (١).

ويفسِّرُ هذا قولُهُ في "الصحيحينِ"؛ من حديثِ معاذٍ؛ قال: (حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ: أن يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ: أَلَّا يُعذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) (٢).

وهذا نظيرُ قولِهِ تعالى في الخبرِ القُدْسيِّ الذي رواه مسلم: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي, وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا) (٣).

فهو مَن يحرِّمُ على نفسِهِ، ويكتُبُ ويُوجِبُ سبحانَه، ولمَّا كان الأمرُ مِن طرَفَيْنِ، أَشبَهَ العهدَ والعقدَ.

ولكنَّ بني إسرائيلَ نقَضُوا العهدَ؛ وبدَّلُوا وحرَّفوا، وكتَمُوا ما لم يستطيعوا تحريفَهُ؛ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ [البقرة: ٢٧].

وفي الآيةِ مسائلُ مِن أظهرِها:

أولًا: وجوبُ الالتزامِ بالعهودِ والمواثيقِ وأدائِها إلى أهلِها كما هي، وأنَّها لا تسقُطُ الا بفسخِها مِن الطرَفَيْنِ؛ قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٤]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: ٨، والمعارج: ٣٢].

وإنَّما كانتِ العهودُ والمواثيقُ بينَ العبادِ مشابهةً لعهودِهم مع الخالقِ سبحانَه في وجوبِ الوفاءِ والالتزامِ بها؛ لأنَّ اللهَ - جلَّ وعلا - جعَلَ


(١) "تفسير الطبري" (١/ ٥٩٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٩٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢٨٥٦) (٤/ ٢٩)، ومسلم (٣٠) (١/ ٥٨).
(٣) أخرجه مسلم (٢٥٧٧) (٤/ ١٩٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>