الأوَّلُ: يعتبرونَهُ بالزوجِ لا بالزوجةِ؛ فإنْ كان الزوجُ عبدًا، فالطلاقُ على النِّصْفِ ولو كانت الزَّوْجةُ حُرَّةً، وعكسُ ذلك لو كان الزوجُ حرًّا، فللزوجِ ثلاثُ طلقاتٍ ولو كانتِ الزوجةُ أَمَةً؛ وهذا قولُ جمهورِهم، وهو قولُ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ وزَيدٍ وابنِ عبَّاسٍ وعِكْرِمةَ وسُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ وابنِ المسيَّبِ، وقولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ.
الثَّاني: يعتبرونَهُ بالزوجةِ لا بالزوجِ؛ وهو قولُ عليٍّ وابنِ مسعودٍ، وهو رأيُ أبي حَنِيفةَ.
وفي المسألةِ قولٌ ضعيفٌ قَلَّ الآخِذونَ به، وهو رأيُ عُثْمانَ البَتِّيِّ، ويُنسَبُ لابنِ عُمَرَ وابنِ عَبَّاسٍ: أنَّ العِبْرةَ بالرِّقِّ، فإن وُجِدَ في أحدِ الجهتَيْنِ: الزَّوْجِ أوِ الزَّوْجةِ، فالطَّلَاقُ طَلْقتانِ.
والأظهَرُ: كونُ الطلاقِ باعتبارِ الزوجِ؛ لأنَّ اللهَ عَلَّقَ الطلاقَ بالزوجِ، والعِدَّةَ بالنِّسَاءِ، فاللهُ تعالى إنَّما شرَعَ العدَدَ في الطلاقِ تشوُّفًا إلى الرَّجْعةِ، وإبعادًا للطلاقِ، ودفعًا لِنَدَمِ الزوجِ مِن العجَلةِ بالبَيْنونةِ؛ ولذا فقد جعَلَ اللهُ له أَجَلًا وعددًا للمراجَعةِ بينَهُ وبينَ زوجتِه.
وحَدَّ اللهُ له عدَدًا مِن الطلاقِ؛ حتَّى لا يُضِرَّ بالزَّوْجةِ فيعلِّقَها.
وإلحاقُ المسألةِ بنُقْصانِ الحدودِ على العبيدِ فيه نظَرٌ؛ لأنَّ نُقْصانَ الحدودِ فيه تخفيفٌ في العقوبةِ، وتخفيفُ الطلاقِ يُعتبَرُ نقصانًا في الحقِّ، وتفويتًا لحظِّ النَّفْسِ الذي ربَّما يُحتاجُ إليه في رَجْعةِ الزوجةِ، ولكنَّ الأَوْلَى أنْ يكونَ مأخَذُ الإلحاقِ: أنَّ تشوُّفَ بقاءِ الزوجَيْنِ مِن المَوَالِي أقلُّ مِن تشوُّفِ الأحرارِ، وتشوُّفَ بقاءِ الحُرَّةِ مع العبدِ أقلُّ مِن تشوُّفِ بقاءِ الحُرِّ معَ الحُرَّةِ.
وذَهَابُ بعضِ الخلفاءِ إلى نُقْصانِ طلاقِ العبيدِ معتبَرٌ مِن وجوهِ الترجيحِ؛ فقولٌ يَمِيلُ إليه خليفةٌ أَوْلَى مِن قولٍ يَذهَبُ إليه مَن دونَهُ.