للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوَّلُها: أنَّ العَقْدَ كافٍ، ولو لم يدخُلِ الزوجُ بها؛ وهذا قولُ ابنِ المسيَّبِ.

ومَن أخَذَ يهذا القولِ، أخَذَ بأقلِّ ما يَدُلُّ عليه اسمُ النكاحِ، وهو العقدُ، وأنَّ النكاحَ إذا أُطلِقَ في القرآنِ، فيُرادُ به العقدُ.

ولم يُوافِقِ ابنَ المسيَّبِ علي قولِهِ هذا مِن السلفِ أحدٌ فيما أعلمُ.

ثانيها: أنَّ النكاحَ لا يُعتبَرُ حتَّى يلتقِيَ الختانانِ، وهو الوطءُ الذي يُوجِبُ الغُسْلَ ولو لم يُنْزِلْ؛ وهو قولُ جمهورِ السلفِ والفقهاءِ.

وذلك لأنَّ النكاحَ إذا أُطلِقَ في القرآنِ، فيُرادُ به العقدُ، إلَّا هذه الآيةَ فيُرادُ له الجماعُ؛ علي قولِ عامَّةِ المفسِّرينَ، ولقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، لم تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيَذُوقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُسَيْلَةَ صَاحِبِهِ) (١).

وظاهرُ الحديثِ: عدَمُ اعتبارِ وطءِ المكرَهَةِ والنائمةِ والمُغمَى عيها؛ لأنَّه اشترَطَ ذَوْقَهما جميعًا؛ وهذا فيه بيانٌ لقوَّةِ قصدِ النكاحِ، وليس التحليلَ.

وذلك أنَّ الزوجَ الذي يطلِّقُ زوجتَهُ ويُريدُ إعادتَها بزوجٍ آخَرَ، فلا يُريدُ أن يطأَها الآخَرُ، وإلَّا زَهِدَتْ نفسُهُ فيها غالبًا، وهدا قطعٌ للنفوسِ أن تتلاعبَ بالشريعةِ وتتحايَلَ عليها.

قال ابنُ المنذِرِ: "ومعنى ذوقِ العُسَيْلةِ هو الوَطْءُ! وعلى هذا جماعةُ العلماءِ، إلَّا سعيدَ بنَ المسيَّبِ" (٢).

ثالثُها: أنَّ النكاحَ لا يَصِحُّ بوطءٍ إلَّا بوطءٍ معه إنزالٌ؛ قال به الحسَنُ.


(١) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٣٩٧٧) (٥/ ٥٩).
(٢) "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (٥/ ٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>