فهذا منهيٌّ عنه، بل تَرْكُها على سراحِها الأوَّلِ لتخرُجَ مِن عِدَّتِها؛ ومِن هذا يُؤخَذُ أنَّ إنزالَ الطلاقِ زمَنَ العِدَّةِ منهيٌّ عنه, والمباحُ هو إرجاعُها بقصدِ المعروفِ، ولو طلَّقَها بعد ذلك بغيرِ قصدِ الإضرارِ، جاز.
وفي الآيةِ دليلٌ لِمَنْ قال: إنَّ الطلاقَ في عِدَّةِ الطلاقِ لا يقَعُ؛ لأنَّه لو كان واقِعًا، ما احتاجَ إلى رجعةٍ، ثمَّ طَلْقةٍ، وإنَّما طلَّقَها طلقةً أُخرى على طَلْقَتِها التي تعتَدُّ بها.
وقال المالكيَّةُ والشافعيَّةُ والحنابلةُ: إنَّ الطلاقَ يقَعُ, ولكنَّها لا تستأنِفُ العدَّةَ، بل تبني علي عِدَّتِها الأُولى؛ لأنَّ اللهَ قال: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾؛ فيَظهَرُ مِن ذلك أنَّ الإضرارَ لا يقَعُ مِن غيرِ إمساكٍ.
وفي الآيةِ كذلك: أنَّ الزوجةَ المطلَّقةَ طلاقًا بعدَ رجعةٍ مِن طلاقٍ: تستأنِفُ العِدَّةَ مِن طلاقِها الثاني لا تُكمِلُ الأَوَّلَ، ولو لم يُجامِعْها في رجعتِها، فلا أثَرَ لعدمِ الجماعِ في الاستئنافِ الجديدِ؛ وذلك أنَّ اللهَ قال: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾، والإضرارُ يكونُ بطولِ مُدَّةٍ بلا جماعٍ بطلاقٍ، ثم رجعةٍ بلا جماعٍ، ثمَّ طلاقٍ جديدٍ، فإذا جامَعَها، فلم يُرِدْ برجعتِهِ إضرارًا؛ وهذا هو الأرجحُ، وهو قولُ أبي حنيفةَ والشافعيِّ في الجديدِ والمالكيَّةِ، وهو قولٌ لبعضِ فقهاءِ الحنابلةِ.
القولُ الثَّاني: أنَّ الزوجةَ تَبْنِي على ما مَضَى مِن عِدَّتِها الأُولى.
ولو كانتِ المرأةُ لا تعتدُّ عِدَّةً جديدةً، لبَيَّنَهُ اللهُ كما بَيَّنهُ في غيرِ المدخولِ بها في سورةِ الأحزابِ، ولكان ذلك مُسقِطًا للعِدَّةِ الجديدةِ