فجعَلَ امتناعَ الوليِّ عن إنكاحِ الزوجَيْنِ فتنةً عريضةً لغيرِهِما، فألحقَها بالأرضِ، ووصفَها بالعريضةِ، فلا يقَعُ الزِّنى إلَّا لتعطيلِ حقِّ الزوجةِ بالإنكاحِ أو الإمساكِ بالمعروفِ، وحُسْنِ المَعشَرِ، والعدلِ في القَسْمِ، ولتعطيلِ الرجلِ مِن حقِّ النكاح أو التعدُّدِ، ويأتي بعد ذلك تجاوزُ المحرَّماتِ؛ كإطلاقِ البصَرِ، والخَلْوةِ، وغيرِهما.
ولأنَّ هذه المعانِيَ دقيقةٌ، وإدراكَها صعبٌ إلَّا على القِلَّةِ مِن أهلِ العقلِ، أضمَرَها ولم يَذْكُرْها؛ لأنَّ ما لا تعي العقولُ عِلَّتَهُ يُترَكُ للتسليمِ به؛ حتَّى لا يُكفَرَ به.
وهناكَ حِكْمةٌ أُخرى أيضًا في عدمِ ذِكْرِ أنواعِ فِتَنِ الفسادِ عندَ عدمِ إنكاحِ الوليِّ لابنتِهِ مِن رجلٍ صالحِ الدِّينِ والخُلُقِ، أو تمكينِ زوجَيْنِ مِن العودةِ بعد انفصالٍ؛ وذلك حتَّى لا يَشُكَّ الوليُّ في مَوْلِيَّتِه، فيَتَّهِمَها لاتهامِ الشارعِ لها، فتفسُدَ البيوتُ بالظُّنُونِ؛ ولذا قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦]؛ أيْ: ثَمَّةَ ما لا يُدرَكُ مِن حقائقِ التشريِع وعِلَلِهِ، يَعْلمُهُ اللهُ، وتقصُرُ عنه العقولُ مهما بلغَتْ حِدَّةً وذَكَاءً.