للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا التشريعُ للمطلَّقةِ غيرِ المدخولِ بها؛ جبرًا لحقِّ المرأةِ، فلا يُكسَرُ خاطِرُها، وحِفْظًا لِكَرَامتِها، وصونًا لها من أن تُبتذَلَ عندَ الرجالِ، فيتساهَلَ الرجالُ في الخِطْبةِ والعقدِ، والتركِ بلا دخولٍ.

وحتَّى لا يفوتَ حقُّ المرأةِ بالنفقةِ عليها بلا زوجٍ؛ لانتظارِها الرجلَ الذي عقَدَ عليها.

وفي الآيةِ: نوعُ تأديبٍ للمطلِّقِ؛ فهو وإن لم يرتكِبْ إثمًا أو وِزْرًا، فإنَّه ربَّما كسَرَ نفسَ الزَّوْجةِ، وزهَّد فيها غيرَهُ، والآيةُ قرينةٌ على التعويضِ عنِ الضررِ المعنويِّ؛ وهو محلُّ خلافٍ عندَ العلماءِ.

ولم يضيِّقِ اللهُ على الزوجِ الذي لم يَضرِبْ مهرًا لزوجتِهِ، فطَلَّقَها قبلَ الدخولِ بها، فجعَلَ حقَّها عليه المتاعَ حسَبَ ما يستطيعُ؛ فقال تعالى: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾.

لأنَّ مَن لم يَضرِبْ مهرًا يُحتمَلُ يسارُهُ، ويُحتمَلُ عُسْرُهُ، فجعَلَ اللهُ الأمرَ بما لا يَضُرُّهُ، ولا يفوِّتُ حقَّ الزوجةِ.

وأمَّا مَن ضرَبَ مهرًا، فهو لم يَضرِبِ المهرَ إلَّا وهو قادرٌ على تسليمِه، فجعَلَ اللهُ لغيرِ المدخولِ بها نِصْفَ المهرِ.

والمتاعُ المذكورُ في الآيةِ يختلِفُ بحَسَبِ العُرْفِ، وحسَبِ قُدْرَةِ الزوجِ وسَعَتِهِ؛ روى عِكْرِمةُ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "مُتْعةُ الطلاقِ أعلاهُ الخادِمُ، ودُونَ ذلك الوَرِقُ، ودونَ ذلك الكِسْوةُ" (١).

وصحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ؛ مِن حديثِ عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عنه، قال: "إنْ كان موسِرًا مَتَّعَهَا بخادمٍ أو نحوِ ذلك، وإنْ كان مُعسِرًا أمتَعَها بثلاثةِ أثوابٍ" (٢).


(١) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٩٠).
(٢) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٩٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>