وغيرُ خافٍ على متعلِّمٍ أنَّ أعلَى مراتِبِ الاحتجاجِ وأقوى الأدلةِ هي حُجَجُ القرآنِ وأدلَّتُه، ومِن القُصورِ في المتعلِّمِين أن تكونَ الحُجةُ في القرآنِ ظاهرةً ثم يتحاوزها إلى الاستدلالِ بما دُونَه، وقد حَرَص السلفُ وأئمةُ الخَلَفِ على إبراز أدلةِ الأحكام مِن القرآن، ببن متوسِّعٍ ومختَصِر، وقابِضٍ في الاستنباط وباسِط، حتى لم يَخْلُ مَذهبٌ مِن مصنَّفٍ في هذا الباب.
وإنَّ مِن إعجازِ القرآن صلاحَه لكُلِّ زمان ومكانٍ ولكلِّ جِيل، وقد كَثُرت المصنَّفاتُ في أحكام السُّنَّةِ وفقهِها في هذا العصرِ، ولكنَّ المصنفاتِ في تفسيرِ أحكام القرآن قليلةٌ، وقد كانَتِ الحاجةُ إلى الكلام على أحكامِ القرآن واستنباطِ آياته في أبواب الفقهِ وسائرِ الأحكام وخاصَّةً ونحنُ في زمنٍ كَثُرت نوازِلُه التي نحتاجُ إلى بيانِ أدلَّتِها مِن القرآن وإتباعِ ذلك بحُجَجِها مِن السُّنة والأَثَر.
وقد دارَسْتُ شيخَنا عبدَ العزيزِ الطريفيَّ القرآنَ فعرضْتُ عليه القرآنَ أربعَ مراتٍ بدءًا مِن رمضانَ عامَ أَلْفٍ وأربعِ مئةٍ واثنينِ وثلاثينَ، للهجرةِ النبويَّةِ، وأملَى عليَّ آياتِ الأحكام، ثُم فَسَّرَها في مجالسَ لطُلابِ العلمِ، أَوَّلُها في التاسِعَ عشرَ مِن شهرِ شوَّالٍ مِن عام ألفٍ وأربع مئةٍ واثنينِ وثلاثينَ، وأَتَمَّ تفسيرَ أحكامِ القرآن في أكثَرَ مِن مئةٍ وعشرينَ مجلسًا.
وقد بَسَط القولَ على كلِّ الآيات المتعلِّقةِ بأحكام التكليفِ الخَمْسة، فشَمِل التفسيرُ أحكامَ الفقهِ بقِسمَيْه العباداتِ والمعامَلاتِ، والآدابِ والأخلاقِ والسياسةِ الشرعيةِ في أحكام التعامُل مع الناسِ موافِقِينَ ومُخالفِين، مؤمِنِين ومنافِقِين وكافِرِين.