مع إمكانِهِمْ إلى الجمعِ، وقد طلَبَ الملأُ مِن بني إسرائيلَ مِن نبيِّهم مَلِكًا - أيْ: خليفةً وأميرًا - يأتَمِرُونَ بأمرِه، ويَجْتمِعونَ عليه، وكان في بني إسرائيلَ ملوكٌ، والملوكُ تأتمِرُ بأمرِ الأنبياءِ، وقد كان في زمانِهم جَبَابِرةٌ وعَمَالِقةٌ يتسلَّطونَ عليهم بإخراجِهِمْ مِن ديارِهِمْ وأبنائِهِمْ وأموالِهِمْ؛ كما قاله ابنُ عبَّاسٍ والسدِّيُّ وغيرُهما (١).
وفي الآيةِ: رحمةُ النبيِّ بأُمَّتِهِ أنْ خَشِيَ إنْ كُتِبَ عليهِمُ القتالُ ألَّا يُقاتِلوا فيأثَمُوا، وهم في سَعَةٍ قبلَ فَرْضِهِ عليهِم؛ وذلك لِمَا عَلِمَهُ مِن سابقِ حالِهِمْ مِن تفريطٍ وعدمِ وفاءٍ، وفي هذا ألا يقدِّمَ الأميرُ للقتالِ إلا أهلَ العزمِ والشِّدَّةِ والثَّبَاتِ؛ حتى لا يُخذَلَ المسلِمونَ، وإنْ أخرَجَهُمْ إلى الجهادِ لِطَلَبِهم أو لأَمْنِ مَكْرِهم؛ ألَّا يَخْلُفُوهُ في بلدِهِ بِسُوءٍ، فلا يَجْعَلْهم محلَّ اعتمادِهِ فيَنفرِدُوا بحمايةِ ثَغْرٍ، فيتسلَّلَ عدوٌّ مِن جِهَتِهِم.
وقد كان المنافِقونَ يخرُجُونَ مع النبيِّ ﷺ وهو يَعْلَمُهم؛ تأليفًا لهم، أو طمَعًا في مَغْنَمٍ، وأَمْنًا مِن أنْ يَخْلُفُوهُ بشرٍّ، وإذا دخَلَتِ الدُّنيا في قلبِ المجاهِدينَ، وقَعَ التنازُعُ في صورةِ الانتصارِ للحقِّ، ونزَلَ الافتراقُ وتَبِعَهُ الفَشَلُ، وكلَّما كانَ الإنسانُ أقربَ إلى الآخرةِ، فالقليلُ مِن الدُّنيا ثَقيلٌ عليه، فالمقاتِلُ أقرَبُ للموتِ مِن المسالِمِ، فوجَبَ عليه أن يدَعَ الدُّنيا وطَمَعَ النفسِ؛ حتى لا يُفسِدَ عليه ذلك جهادَهُ وجهادَ الأُمَّةِ، وإذا وقَعَ في الأُمَّةِ فشلٌ، فلْيُفتَّشْ عن طمعِ الدُّنيا؛ فإنَّ المجاهِدِينَ يُهْزَمُونَ بسببِ أطماعِ القلوبِ، وخفايا الذنوبِ؛ ففي أُحُدٍ قال ابنُ مسعودٍ:"لَوْ حَلفْتُ يَوْمَ أُحُدٍ، رَجَوْتُ أنْ أَبرَّ: إِنَّهُ ليسَ أَحدٌ مِنَّا يُرِيدُ الدُّنيا، حتى أَنزَلَ اللهُ ﷿: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ "[آل عمران: ١٥٢]؛ أخرَجَهُ أحمدُ