للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٦].

رَفْعُ الإكراهِ في الآيةِ عامٌّ مخصوصٌ بغيرِهِ مِن الآياتِ، وقد وقَعَ خلافٌ في نسخِ هذه الآيةِ بآياتِ السيفِ والقتالِ؛ فمنْهُم: مَنْ قال بالنَّسْخِ؛ وهو قولُ الضَّحَّاكِ والسُّدِّيِّ وابنِ زيدٍ وغيرِهم، وليس كذلك؛ بل هي محكَمةٌ وخاصَّةٌ بأهلِ الكِتابِ، لا بِغيرِهِم مِن الكفارِ؛ وذلك أنَّهم لا يُكرَهونَ على الإسلامِ إذا نزَلُوا على الجِزْيةِ بخلافِ الوثنيِّينَ، ويأتي تفصيلُ الجِزْيةِ وأحكامِها في "التوبةِ" عند قولِه تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩].

والذي عليهِ أكثَرُ المفسِّرينَ: إحكامُ آيةِ البابِ، وخصوصُها بأهلِ الكتابِ؛ وعلى هذا جرى تفسيرُ الصحابةِ؛ كابنِ عبَّاسٍ، وابنِ عُمَرَ ، وهو قولُ مجاهِدٍ والحسنِ والشَّعْبيِّ.

ولا يُصارُ إلى النَّسْخِ إذا عُرِفَ التاريخُ ولم يتعارَضِ الحُكْمُ مِن جميعِ الوجوهِ، فآيةُ السيفِ سابِقةٌ لنزولِ هذهِ الآيةِ، وآياتُ السيفِ لها مواضِعُها، وهذهِ الآيةُ لها مواضِعُها؛ ففي "السُّننِ"؛ مِن حديثِ أبي بِشْرٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ؛ في قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، قالَ: نزَلَتْ في الأنصارِ، قُلتُ: خاصَّةً، قال: خاصَّةً، كانَتِ المرأةُ منهُم إذا كانت نَزِرَةً أو مِقْلَاتًا؛ تَنْذِرُ لَئِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا لَتَجْعَلَنَّهُ في اليَهُودِ؛ تَلْتَمِسُ بِذَلِكَ طُولَ بَقَائِهِ، فَجَاءَ الإسلامُ وفيهِمْ مِنْهُم، فلمَّا أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، قالَتِ الأنصارُ: يا رَسُولَ اللهِ، أبناؤُنا وإخوانُنا فيهم، فسكَتَ عنهُم رسولُ اللهِ ،

<<  <  ج: ص:  >  >>