الناسَ، فيُعطى لسؤالِهِ ويصدَّقُ في قولِهِ؛ لقولِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [المعارج: ٢٤، ٢٥]، وكما أُعطِيَ الفقيرُ لظاهرِ رَثَاثَتِهِ مِن غيرِ أن يتكلَّمَ وقد يُشارِكُهُ في ظاهرِهِ الغنيُّ، فكذلك الفقيرُ الذي يُظهِرُ يسارًا، الذي يُشارِكُهُ الغنيُّ في ظاهرِهِ ويُخالِفُهُ في قولِه؛ فهذا يسْأَلُ، وهذا لا يَسْأَلُ، وظهورُ الفقرِ قولًا أصدَقُ مِن ظهورِهِ صورةً وحالًا، ولكنْ يُذكَّرُ مَن يَظهَرُ منه القوةُ واليَسَارُ أنَّه يظهَرُ منك قُوَّةٌ ويَسَارٌ، وهذهِ الزَّكَاةُ لا تجوزُ لمثلِ ظاهرِ حالِكَ، وإنْ أخَذَها يُعطاها، فيُوكَلُ إلى نفسِهِ، ما لم يشتهِرْ كذبُهُ وتربُّصُهُ بأموالِ الفقراءِ وهو غنيٌّ.
وكان النبيُّ ﷺ يُعطي مَن ظاهِرُهُ القُوَّةُ، ويذكِّرُهُ ويخوِّفُهُ مِن أخذِها بغيرِ حقٍّ؛ كما في "المسنَدِ"، وعندَ أبي داودَ والنَّسَائيِّ، عن عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ؛ أنَّ رجلَيْنِ حدَّثاهُ أنَّهما أتَيَا رسولَ اللهِ ﷺ يَسْأَلَانِهِ مِن الصَّدَقةِ، فقَلَّبَ فِيهِمَا البَصَرَ - وقال محمَّدٌ: بصَرَهُ - فرآهما جَلْدَيْنِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: (إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) (١).
وفيهِ: أنَّ القادرَ على الكسبِ، الواجدَ للعملِ: لا تحلُّ له الزكاةُ؛ لأنَّها تُعِينُهُ على العَجْزِ والقعودِ.
وربَّما يكونُ الفقيرُ المحتاجُ المتعفِّفُ غيرَ مُلِحٍّ، ويُلِحُّ الغنيُّ في طلبِ حاجتِهِ؛ ولذا قالَ تعالى: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾؛ أي: كدًّا وإلحاحًا.
والصدقةُ أخفُّ مِن الزكاةِ؛ لأنَّ الصَّدَقةَ يجوزُ دفعُها للأغنياءِ بلا خلافٍ؛ نقلَ الإجماعَ النوويُّ وغيرُهُ، والأفضلُ: تَرْكُها للمحتاجِينَ والمُعْوِزِينَ.
(١) أخرجه أحمد (١٧٩٧٢) (٤/ ٢٢٤)، وأبو داود (١٦٣٣) (٢/ ١١٨)، والنسائي (٢٥٩٨) (٥/ ٩٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute