فالمرضُ في قلوبِهم مستقرٌّ قبلَ نظرِهم في القرآنِ، فتعلَّقتْ لهم الشُّبُهاتُ، وأمَّا القرآنُ، فشفاءٌ للمؤمنينَ: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت: ٤٤]، وزيادةُ غَيٍّ للمنافِقينَ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٥]؛ لأنَّ المؤمِنَ يطلُبُ المُحكَمَ فيَشْفِيهِ، والمنافِقَ يطلُبُ المتشابِهَ فيُمْرِضُه؛ قال اللهُ عن المؤمنينَ: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ الآيةَ [محمد: ٢٠]، وقال عن المنافِقينَ: ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾.
وأمراضُ القلوب بالشُّبهاتِ تُعْدِي كأمراضِ الأبدانِ بالعِلَلِ، فيجبُ الحذرُ مِن مجالسةِ أَصحابِها؛ ففي "الصحيحينِ"، عن عائشةَ ﵂؛ قالتْ: تلا رسولُ اللهِ ﷺ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾، إلى قولِه: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، قالتْ: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (فَإِذَا رَأَيْتِ الذينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكِ الذينَ سَمَّى اللهُ؛ فَاحْذَرُوهُمْ) (١).
وقد جعَلَ اللهُ عِلمَ المتشابِهِ عندَ الراسخينَ لا مجرَّدِ العالِمينَ؛ فليس كلُّ عالِمٍ راسخًا، وإنْ كان كلُّ راسخٍ عالِمًا، والعالمُ الراسخُ الذي يعلَمُ المُحكَمَ والمتشابهَ؛ فيُقصَدُ بطلبِها منه، والعالِمُ غيرُ الراسخِ الذي يعلمُ المحكَمَ لا المتشابِهَ، فيُقصَدُ في المُحكَماتِ دون المتشابِهاتِ؛ قال تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، فيُرجَعُ في فَصْلِ المُتشابهِ إلى أهلِ الرسوخِ في العلمِ، لا إلى مجردِ وصفِ العلمِ.
وفي قوله تعالى: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ إشارةٌ إلى أنَّ القرآنَ لا يتناقضُ
(١) أخرجه البخاري (٤٥٤٧) (٦/ ٣٣)، ومسلم (٢٦٦٥) (٤/ ٢٠٥٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute