للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا حديثُ: (لَا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) (١)، فقد رواهُ أبو داودَ؛ مِن حديثِ جَسْرَةَ بِنْتِ دجاجَةَ، عن عائشةَ، ولا يصحُّ؛ أَنْكَرَهُ أحمدُ والبخاريُّ والبيهقيُّ وغيرُهم.

وفي "الصحيحِ"، عن عائشةَ: أنَّ وليدةً كانت سوداءَ لحيٍّ مِن العربِ, فأعْتَقُوها فأسلَمتْ، قالتْ عائشةُ: "فكان لها خِبَاءٌ في المسجدِ أو حِفْشٌ" (٢).

ولم يُذكَرْ منعُها أو سؤالُها عن حالِها، وحيضُ النساءِ أطولُ زمنًا مِن الجنابةِ؛ فهو بالأيامِ، والجنابةُ عارضةٌ تُرفَعُ بالاختيارِ، ويجبُ رفعُها عدَ دخولِ الصلاةِ، بخلافِ الحيضِ؛ فهو باقٍ لا يَنْزِلُ ولا يُرفَعُ بالاختيارِ؛ فالحاجةُ لبيانِ حكمِ دخولِ الحائضِ ومُكثِها في المسجدِ ظاهرةٌ؛ كالجنابةِ أو قريبًا منها، ولكنْ غشيانُ الرجالِ للمساجدِ أكثرُ مِن النساءِ، والمرأةُ لا تَقْصِدُ المسجدَ عادةً إلا لصلاةٍ، والصلاةُ مرفوعةٌ عن الحائض، ولا تَبِيتُ فيه كالرِّجالِ، ولكنْ قد تقصدُهُ لغيرِ صلاةٍ كنظافتِه وتَطْيِيبِهِ؛ قد كان لمسجدِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أمرأةٌ سوداءُ تَقُمُّ المسجدَ؛ كما في "الصحيحينِ" (٣).

واحتجَّ المانِعونَ والمُجِيزونَ بما روَتْهُ عائشةُ، قالتْ: قال لي رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجِدِ)، قالتْ: فقلتُ: إنِّي حائضٌ! فقال: (إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ) (٤).

فمَن أخَذَ منه التحريمَ، قال: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقَرَّها على منعِ دخولِها؛ لعِلمِها به مِن قبلُ، ولكنَّه أَذِنَ لها في التناوُلِ لا المُكْثِ.


(١) أخرجه أبو داود (٢٣٢) (١/ ٦٠).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٩) (١/ ٩٥).
(٣) أخرجه البخاري (٤٦٠) (١/ ٩٩)، ومسلم (٩٥٦) (٢/ ٦٥٩).
(٤) أخرجه مسلم (٢٩٨) (١/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>