للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي البخاريِّ عن عائشةَ؛ قالتِ: استأذنتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في الجهادِ، فقال: (جِهَادُكُنَّ الحَجُّ) (١).

وأظهَرُ منه: ما في البخاريِّ عنها؛ قالتْ: يا رسولَ اللهِ، نَرَى الجهادَ أفضلَ العملِ؛ أفلا نُجاهِدُ؟ قال: (لَا؛ لَكُنَّ أَفْضَلُ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ) (٢).

مع أنَّ الجهادَ المفروضَ أعظمُ مِن فريضةِ الحجِّ، ونافلةَ الجهادِ أعظمُ مِن نافلةِ الصلاةِ للرِّجالِ؛ فمَن تَعَيَّن عليه الجهادُ العاجِلُ لا يجوزُ له الانصرافُ إلى الحَجِّ؛ ولو كانَتْ حَجَّةَ الإِسلامِ.

ومِن عدلِ اللهِ في عبادِهِ: أنَّ اللهَ لا يجعلُ في أحدِ عبادِهِ سببًا قدريًّا ينالُ به الأجرَ العظيمَ، ولا يكونُ للمحرومِ مِن ذلك السببِ ما يُماثِلُهُ أو يُقابِلُهُ ولو مِن غيرِ جِنسِهِ لو عَمِلَ به لَمَاثَلَ غيرَهُ في الأجرِ؛ كالمالِ؛ فاللهُ يررزُقُ عبادَهُ ولو بلا سببٍ؛ كمَن يَرثُ خيرًا، أو يُهدَى إليه الززقُ فيَغتَنِي، لا يُقالُ: إنَّ الفقيرَ ليس لدَيْهِ مِن العملِ ما لو فعَلَهُ لا يساوي الغنيَّ؛ فاللهُ لا يُعطِّلُ الأسبابَ في العِبادِ، ثمَّ يُحاسِبُهم على ذلك؛ فاللهُ تعالى جعَلَ للفقراءِ الذِّكْرَ يَلْحَقُونَ به أهلَ الغِنَى؛ ففي "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -؛ أَنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَا، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟ )، قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصدَّقُونَ وَلَا نَتَصدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَفَلَا أُعَلِّمُكُمُ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ )، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: (تُسَبِّحُونَ، وَتكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُل صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاِثينَ مَرَّةً)، قَالَ أبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ


(١) أخرجه البخاري (٢٨٧٥) (٤/ ٣٢).
(٢) أخرجه البخاري (١٥٢٠) (٢/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>