للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختُلِفَ في المشرِكِينَ؛ لأنَّ المرتدَّ يُقتَلُ؛ فعُمَرُ يُخاطِبُ مَن زعَمَ الإسلامَ ولم يُؤمِنْ بالحجِّ، لا مَن دخَلَ الإِسلامَ وخرَجَ منه بتركِ الحجِّ تهاوُنًا.

وإدراكُ عُذْرِ تارِكِ الحجِّ شاقٌّ؛ لأنَّه يُوكَلُ إلى الأفرادِ وأمانتِهم وديانتِهم؛ فموانعُ الحجِّ كثيرةٌ ظاهرةٌ وباطنةٌ، ومِن البواطنِ ما لا يُدرِكُهُ أحدٌ إلا صاحِبُه؛ ولهذا يُشدِّدُ الحاكمُ في أداءِ الحجِّ في الخِطاب، لا في العِقابِ.

وقد جاء القولُ بكفرِ تارِكِ الحجِّ عن ابنِ مسعودٍ وسعيدِ بنِ جُبيرٍ عندَ اللالكائيِّ؛ ولا يصحُّ، ورُوِيَ ذلك عن نافعٍ والحكمِ وإسحاقَ، وهو روايةٌ عن أحمدَ، وقولُ ابنِ حبيبٍ مِن المالكيَّةِ.

وقولُه: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}: عَرَّفَ أحمدُ الاستطاعةَ بأنَّها الزادُ والراحلةُ مِن الموضع (١) يكونُ منه، وعَدَّ المَحْرَم للمرأةِ مِنَ السبيل، والاستطاعةُ تَختلِفُ بحسَبِ الحالِ والمكانِ؛ فالاستطاعةُ للمَكِّيِّ تختلفُ عنِ الآفَاقِيِّ، والآفاقِيُّونَ يختلِفونَ قُربًا وبُعدًا، وجامعُ الاستطاعةِ: سلامةُ البدن، والزادُ للجميع، والراحلةُ (لغيرِ المكيِّ)، ولم يَثبُتْ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حدِّ الاستطاعةِ شيءٌ؛ لاختلافِ أحوالِ الناسِ وتبايُنِهم مَنزِلًا وحالًا، والواردُ في ذلك بين ضعيفٍ ومُرسَلٍ، وأَمْثَلُ شيءٍ في ذلك موقوفٌ صحيحٌ مِن حديثِ عليِّ بنِ أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ، وقد بيَّنْتُ ذلك في شرحِ حديثِ جابرٍ الطويلِ في صِفَةِ حَجَّةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

* * *


(١) "مسائل ابن منصور" (١/ ٥١٥)، و"مسائل عبد الله" (١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>