للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التواضعِ والخشوعِ؛ ولذا كانت نعمُ اللهِ على نبيِّه على التدرُّجِ، ومع هذا فقد لزِمَ التواضعَ وزادَهُ عندَ نزولِ النعمِ العظيمةِ.

ودخَلَ النبيُّ مكةَ وهو مطأطِئُ الرأَسِ تواضُعًا وخشوعًا للهِ؛ وذلك لأنَّه خرَجَ منها متخفِّيًا طريدًا، ورجَعَ إليها سيِّدًا فاتحًا، مع كثرةِ الأَتْباعِ، وأخرَجَ ابنُ إسحاقَ - وعنه ابنُ المباركِ في "الزهدِ" - قال محمدُ بنُ إسحاقَ: "حدَّثَني عبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ، وابنُ أبي نَجِيحٍ، ويحيى بنُ عبَّادٍ؛ قالوا: أقبَلَ رسولُ اللهِ حتى وقَفَ بذي طَوًى، وهو مُعْتَجِرٌ ببُرْدٍ حِبَرَةٍ، فلمَّا اجتمَعتْ عليه خيولُةُ ورأَى ما أكرَمَهُ اللهُ به، تواضَعَ للهِ حتى إنَّ عُثْنُونَهُ لَتمَسُّ واسطةَ رَحْلِهِ" (١).

وروى البيهقيُّ؛ مِن حديثِ جعفرِ بن سُلَيْمانَ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ؛ قال: "دخَلَ رسولُ الله مَكَّةَ يومَ الفتحِ وذَقَنُهُ على رحلِهِ متخشِّعًا" (٢).

ومِن أولِ ما فعَلَهُ عندَ دخولِه مكةَ: صلاتُهُ في داخلِ الكعبةِ؛ كما جاء في "الصحيحِ"؛ مِن حديث نافعٍ، عن عبدِ اللهِ ؛ أنَّ رسولَ اللهِ أقبَلَ يومَ الفتحِ مِن أعلى مَكَّةَ على راحلتِهِ مردِفًا أسامةَ بنَ زيدٍ، ومعه بلالٌ، ومعه عثمانُ بنُ طَلْحةَ مِن الحَجَبَةِ، حتى أناخَ في المسجدِ، فأمَرَهُ أنْ يأتيَ بمِفتاحِ البيتِ ففتَحَ، ودخَلَ رسولُ اللهِ ومعه أسامةُ وبلالٌ وعثمانُ، فمكَثَ فيها نهارًا طويلًا، ثمَّ خرَجَ، فاستبَقَ الناسُ، فكان عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ أوَّلَ مَن دخَلَ، فوجَدَ بلالًا وراءَ البابِ قائمًا، فسألَهُ: أين صلَّى رسولُ اللهِ ؟ فأشارَ له إلى المكانِ الذي صلَّى فيه، قال عبدُ اللهِ: فنَسِيتُ أن أسألَهُ: كم صلَّى مِن سجدةٍ؟ (٣).


(١) أخرجه ابن المبارك في "الزهد والرقائق" (٢/ ٥٣).
(٢) "السنن الكبرى" (٧٨٨٨) (٤/ ٣٥٢).
(٣) أخرجه البخاري (٢٩٨٨) (٤/ ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>