للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانيةُ: رَحِمٌ غيرُ مُحرَّمٍ غيرُ محتاجٍ؛ فهذا وصلُهُ مِن أعظَمِ الأعمالِ وأفضلِ البِرِّ، إلا أنَّه لا يجبُ؛ فاللهُ لم يُحرِّمِ الجمعَ بينَ بناتِ العمِّ والعمَّة، وبناتِ الخالِ والخالة، وإنْ أدَّى ذلك إلى القطيعة، وعامَّةُ الفقهاءِ على جوازِ هذا الجمعِ بينَ القَرابات، واللهُ لا يُحِلُّ شيئًا يُؤدِّي إلى حرامٍ غالبٍ أو قطعيٍّ، والقطيعةُ بينَ الضَّرَّاتِ غالبةٌ، وقد جاء تعليلُ النهيِ في الجمعِ بينَ المرأةِ وعمَّتِها أو خالتِها خوفَ القطيعةِ في بعضِ الرواياتِ عندَ ابنِ حِبَّانَ؛ قال : (إِنَّكُنَّ إِذَا فَعَلْتُنَّ ذَلِكَ، قَطَعْتُنَّ أَرْحَامَكُنَّ) (١).

والأحاديثُ الواردةُ في الأرحامِ وصِلَتِهِم يُحمَلُ الوجوبُ منها على النوعِ الأوَّل، وعلى الحالةِ الأُولى مِن النوعِ الثاني، ويُحمَلُ الفضلُ على الجميع، وأقرَبُهم أحقُّهم وأعظَمُهم أجرًا في وصلِه، وإطلاقُ صلةِ الرحمِ مِن غيرِ تقييدٍ بقيدٍ فاصلٍ يُهدِرُ الحُكْمَ ويُضيِّعُهُ، والواجباتُ تُحكَمُ في الشريعةِ وتُضبَطُ، ولو قيل بصِلةِ كلِّ القراباتِ والأرحامِ لَمَا عُرِفَ لذلك حدٌّ ولَشَقَّ على الناسِ ذلك، وتقييدُهُ بذوي الأرحامِ هو قولُ أبي الخطَّابِ مِن الأصحاب، وقولُ جماعةٍ مِن فقهاءِ الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ كالقَرَافِيِّ وغيرِه.

وفي هذا يقولُ النبيُّ ؛ كما رواهُ أحمدُ، عن أَبِي رِمْثَةَ؛ قال رسولُ اللهِ : (أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) (٢).

وفي "الصحيحِ"، عن أبي هريرةَ؛ قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قال: (أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ, ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ) (٣).


(١) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (٤١١٦) (٩/ ٤٢٦).
(٢) أخرجه أحمد (٧١٠٥) (٢/ ٢٢٦).
(٣) أخرجه مسلم (٢٥٤٨) (٤/ ١٩٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>