وأكثرُ مَن يُنكِرُ شريعةَ اللهِ في التعدُّدِ مِن الرجالِ اليومَ هم ممَّن هان الزِّنى في قلبِه؛ فاللهُ يُنظِّمُ ما تفعلُهُ النفوسُ المريضةُ في السرِّ ليكونَ في العَلانِيَة، ويدفَعُ به العَنَتَ والمشقَّةَ التي تجدُها النفوسُ السويَّةُ، وبه تنتظمُ الفِطْرةُ، ويُدفَعُ الحرامُ، وتتحصَّنُ الأعراضُ، وقد قُلْتُ لأحدِ الفلاسفةِ الغربيِّينَ:"تقييدُ تعدُّدِ الزوجاتِ بأربعٍ خيرٌ ممَّا تُبيحُونَهُ مِن الزِّنى بالعشيقاتِ بلا عددٍ؛ فالإسلامُ أمَرَ بإعلانِ ما تُخْفُونَهُ وضبَطَه وحَدَّهُ حتى لا تضيعَ الحقوقُ، وتحريمُ التعدُّدِ والزِّنى بالعشيقاتِ جميعًا اختلالٌ لفِطْرةِ المجتمع، وتكليفٌ لها بما لا تُطِيقُ، وإباحةُ الزِّنى وتحريمُ التعدُّدِ ظُلْمٌ في الدِّينِ وإهدارٌ لحقوقِ الزوجينِ".
وأمَّا كراهةُ المرأةِ أنْ يُعدِّدَ عليها زوجُها، فذاك ليس كُرْهًا للشريعةِ؛ ولكنَّه كُرْهٌ لأنْ تُشارَكَ هي في نصيبِها مِن زوجِها، وهذا مِن أبوابِ الغَيْرَةِ والشُّحِّ، لا مِن أبوابِ كُرْهِ التشريعِ؛ ولذا لا تجدُ المرأةُ المسلمةً حَرَجًا مِن تعدُّدِ غيرِ زوجِها، وتَكرَهُهُ في زوجِها لحَظِّ نفسِها.
واتَّفَقَ العلماءُ أنَّ الحُرَّ يتزوَّجُ أربعَ نسوةٍ، واختلَفُوا في العبد، وهما روايتانِ عن مالكٍ: قيل: إنَّه كالحُرِّ؛ وهذا قولُ أهلِ الظاهر، وقال الجمهورُ: يتزوَّجُ اثنتَيْن، وهو الأصحُّ؛ فهو قولُ عمرَ وعليٍّ وابنِ عوفٍ، ولا أعلَمُ مَن خالَفَهم مِن الصحابةِ.