للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفتحِ: (لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) " (١).

والوصيَّةُ للورثةِ تُوقِعُ الحَيْفَ، وتُعطِّلُ الفرائضَ، وتُورِثُ البغضاءَ والشحناءَ بينَ الورثة، وتَقْطَعُ الأرحامَ، فيُظلَمُ أقوامٌ، ويَظلِمُ آخَرونَ.

ورُوِيَ عن طاوسٍ وعطاءِ والحسنِ وعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ: القولُ بجوازِ الوصيَّةِ للوارِث، ونُسِبَ هذا القولُ لرافِعِ بنِ خَدِيجٍ؛ لأنَّه أَوْصَى ألَّا تُكْشَفَ امرأتُهُ الفَزَارِيَّةُ عمَّا أُغلِقَ عليه بابُها، ونُسِبَ للبخاريِّ؛ لإخراجِه لخبرِ رافعٍ، وترجَمَ عيه: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن} [النساء: ١١]) (٢).

وفي نسبةِ هذا القولِ إلى رافعٍ والبخاريِّ نظرٌ؛ فليس هو بصريحٍ عنهما، وما جاء في خبرِ رافِعٍ أنَّه جعَلَ لزوجتِهِ - واسمُها سَلْمَى - ما أغلَقَتْ عيه بابَها مِن متاعٍ وأثاثٍ وطعامٍ ولباسٍ؛ وإنَّما رافعٌ أقَرَّ وأشهَدَ على هذا؛ لأنَّه تزوَّجَها فيما يَظهَرُ فقيرةً فبيَّنَ أنَّ متاعَ بيتِها لها لا يُنزَعُ منها؛ لأنَّها لا مالَ عندَها قبلَ زواجِهِ بها؛ وهذا قولٌ معروفٌ عندَ الفقهاءِ، يقولُ به مالكٌ وغيرُه، وهو ممَّن يقولُ أنْ لا وصيَّةَ لوارثٍ، والإقرارُ للوارثِ في حالِ الحياةِ شيءٌ, والوصيَّةُ له بعدَ المماتِ شيءٌ.

والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مع أنَّه لا يُورَثُ؛ كما قال في "الصحيحِ": (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) (٣)، لم تدخُلْ نفقةُ نسائِهِ ومؤونةً عامِلِهِ في تَرِكَتِهِ التي لا تُورَثُ؛ فقد جاء في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُونَةِ عَامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ) (٤).


(١) "الأم" (١/ ١١٤)، و"الرسالة" (ص ١٣٩).
(٢) "صحيح البخاري" (٤/ ٤).
(٣) أخرجه البخاري (٣٠٩٣) (٤/ ٧٩)، ومسلم (١٧٥٩) (٣/ ١٣٨٠).
(٤) أخرجه البخاري (٢٧٧٦) (٤/ ١٢)، ومسلم (١٧٦٠) (٣/ ١٣٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>