للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩].

* * *

قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٢٢].

نزَلَتِ الآيةُ لتساهُلِ أهلِ الجاهليَّةِ في نكاحِ زوجاتِ آبائِهم؛ فقد روى ابنُ أبي حاتم وغيرُه، عن عديِّ بنِ ثابتٍ، عن رجلٍ مِن الأنصارِ؛ قال: لمَّا تُوُفِّيَ أبَو قيسٍ - يعني: ابنَ الأَسْلَتِ - وكان مِن صالِحي الأنصار، فخطَبَ ابنُهُ قيسٌ امرأتَهُ، فقالتْ: إنَّما أَعُدُّكَ ولدًا! وأنتَ مِن صالِحِي قومِكَ، ولكنْ آتِي رسولَ اللهِ ، فأَسْتَأْمِرُهُ، فأتَتْ رسولَ اللهِ ، فقالتْ: إنَّ أبا قيسٍ تُوفِّيَ، فقال خيرًا، ثمَّ قالتْ: إنَّ ابنَهُ قَيْسًا خَطَبَنِي، وهو مِن صالِحِي قَوْمِه، وإنَّما كنتُ أَعُدُّهُ ولدًا، فما تَرَى؟ فقال لها: (ارْجِعِي إِلَى بَيْتِكِ)، فنزَلَتِ الآيةُ بالتحريمِ (١).

وبنحوِه رواهُ ابنُ جُرَيجٍ، عن عِكْرِمةَ، مُرْسَلًا؛ رواهُ ابنُ جريرٍ (٢).

وقد ذَكَرَ اللهُ المواريثَ، ثمَّ أَعْقَبَهَا بذِكْرِ المحرَّماتِ مِن النِّساءِ؛ لمعرفةِ حقوقِ القَرَابَاتِ وفَضْلِهم في الحياةِ وبعدَ المماتِ، وقدَّمَ في المحرَّماتِ نِكاحَ زوجاتِ الآباءِ على غيرِهنَّ؛ لأنَّه ممَّا يَتساهَلُ به أهلُ الجاهليَّة، وقد كان أهلُ الجاهليَّةِ يحرِّمُونَ ما حَرَّمَة اللهُ مِن النِّكاحِ إلا نكاحَ زَوْجاتِ الآباءِ والجَمْعَ بينَ الأُختَيْنِ؛ كما قاله ابنُ عبَّاسٍ (٣).


(١) "تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦١٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٠٩).
(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٥٢٣).
(٣) "تفسير الطبري" (٦/ ٥٤٩)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>