للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي ابن المُنذِرِ وابنُ جريرٍ، عن عِكْرمة بن خالدٍ، عن مجاهدٍ، قال في قولِه تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ قال: "أُريدَ بهما الدخول جميعًا" (١).

ومَن قال بهذا القول جعل الوصف في قولِه: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ على أمهات النِّساء وبناتِ النِّساء، فجعل قوله تعالى: ﴿اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ لما سبقه من الحالتين: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ﴾ , فجعلوا التحريم مقيَّدًا بالدخول بالنساء؛ فعلى قولهم هذا لا يحرم الأصل ولا الفرع إلا بالدخول بالمرأة، لا بمجرَّد العقد عليها.

القولُ الثاني - وهو القول الثالث في المسألة -: وهو قول زيد بن ثابتٍ؛ وهو التفريق بين سبب مُفارقة البنت قبل الدخول بها؛ إن كان سبب الفرقة وفاتها، لم يَجُزْ له أن ينكح أمِّها؛ لأنَّه يرثُ بنتها إرثَ الزوجيَّة، فالأمُّ تُشاركُهُ في ميراث بنتها، فليس له أن يتزوَّج أمها، وإن كان سبب الفراق طلاقهُ لها قبل دخوله بها، فله الزواج من أُمِّها.

فقد روى ابن المُنذر، عن ابن المسيَّب، عن زيد بن ثابتٍ؛ قال: فإن تزوَّجَها فتُوفِّيَتْ، فأصاب ميراثها، فليس له أن يتزوَّج أمَّها، وإن طلَّقها، فما شاء فعل؛ يعني: إن شاء تزوَّجها" (٢).

وخلاف الصحابة في ذلك معروفٌ؛ فقد قال بالمنع ابن عمر وآخرون، وبالإباحة ابن عبَّاسٍ وآخرون، وتوقَّف في ذلك معاوية؛ فقد روى عبدُ الرزَّاق، وعنه ابن المنذر، عن مُسْلم بن عُوَيْمِرٍ الأجدَع، مِن بكرِ كنانة: "أنَّ أباه أنكَحَهُ امرأةً بالطَّائِف، قال: فَلَم أجمعها حتَّى تُوُفِّيَ


(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٥٥٧)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦٢٧).
(٢) "تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>