للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنصاريُّ المهاجِرِيَّ ولو مِن غيرِ رَحِمٍ؛ للاُخُوَّةِ التي جعَلَها النبيُّ بينَهم أوَّل الهجرة، فكان المتآخِيانِ يقولُ أحدُهما للآخَرِ. دَمِي دَمُك، وهَدْمِي هَدْمُك، وثَأْرِي ثَأْرِك، وحَرْبِي حَرْبُكِ، وسِلْمِي سِلْمُك، وتَرِثُني وأَرِثُك، وتَطْلُبُ بي وأطْلُبُ بك، وتَعْقِلُ عني وأَعْقِلُ عنك؛ فيكونُ للحليفِ السُّدُسُ مِن ميراثِ الحليف، ثمَّ جاءتْ آياتُ المواريث، فنسَخَتْ توارُثَ غيرِ الأرحامِ.

وهذا لا خلافَ فيه عندَ السلفِ؛ أنْ لا ميراثَ لمجرَّدِ الحِلْفِ؛ إنَّما اختلَفُوا في قولِه: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾: هل هو الميراثُ فيِكونَ منسوخًا، أو غيرُه فلم يُنسَخْ؟ على أقوالٍ:

روى سعيدُ بنُ جُبَيْر، عن ابنِ عبَّاسٍ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قال: "كَانَ المُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ الأنْصَارِيُّ المُهَاجِرِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِه، لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا﴾، قال: نَسَخَتْهَا: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ (١).

وقد نسَخَتْها أيضًا آيةٌ أُخرى، وهي قولُهُ تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنقال: ٧٥] والأحزاب: ٦]، ويكون هذه الآيةِ ناسخةً للتوارُثِ بالمؤاخَاةِ قال أكثرُ السلفِ؛ رواهُ عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، وقال به عكرمةُ والحسنُ وقتادةُ.

ورُوِيَ عن بعضِ الفقهاءِ مِن السلفِ: أنَّ اللهَ جعَلَ للحُلفاءِ بالمؤاخَاةِ بينَ المُهاجِرينَ والأنصارِ حقًّا بالوصيَّة، لا بالميراثِ؛ لأنَّ اللهَ قَسَّمَ الميراثَ لأهلِهِ وفصَّلَ فيه، فلم يَبْقَ لغيرِهم منه شيءٌ؛ وبهذا قال ابنُ المسيَّبِ؛ فقد روى الزهريُّ، عن سعيدِ بنِ المسيَّبِ؛ قال: "أمَرَ اللهُ ﷿


(١) أخرجه البخاري (٦٧٤٧) (٨/ ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>