للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدَلَّ جماعةٌ مِن الفُقَهاءِ بهذا الحديثِ: على منعِ الحائضِ مِن دخولِ المسجدِ.

وليس بصريحٍ، ولو استُدلَّ به، فلخوفِ تنجيسِ أرضِ المسجدِ؛ فالنساءُ في زمانِهم لا يَجِدُ كثيرٌ منهنَّ ما يَسْتَثْفِرْنَ به؛ لِضَغفِ الحال، واللهُ أعلَمُ.

وفي قولِه تعالى: ﴿إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ استثناءٌ للتيسيرِ ورفع الحَرَج لمَن دخَلَ المسجدَ مِن غيرِ مُكْثٍ؛ كالعابرِ الذي يأخُذُ متاعًا أوَ يبحثُ عن حاجتِه، أو يدخُلُ مِن بابٍ ويخرُجُ مِن بابٍ آخَرَ لكونِه أيسَرَ له، وقد روى ابن جريرٍ، عن يزيدَ بنِ أبي حبيبٍ: أنَّ سببَ نزولِ الآيةِ في رجالٍ مِن الأنصارِ كانتْ أبوابُهُمْ في المسجد، فتُصِيبُهُمْ جَنَابةٌ ولا ماءَ عندَهم، فيُرِيدُونَ الماءَ ولا مَمَرَّ لهم إلَّا في المسجدِ؛ فأنزَلَ الله هذه الآيةَ (١).

والخبرُ مرسَلٌ لا يصحُّ.

ورُوِيَ عن بعضِ السلفِ: أنَّ عابرَ السبيلِ في الآيةِ هو المسافرُ؛ رُوِيَ هذا عن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ ومجاهدٍ وسعيدِ بنِ جُيبرٍ (٢).

ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ وابنِ مسعودٍ وسعيدٍ وعمرِو بنِ دِينارٍ: أنَّ عابرَ السبيلِ: المارُّ (٣).

ويظهَرُ أنَّ مَن حَمَلَهُ على المسافر، حَمَلَهُ على الأغلبِ؛ لفقدِهم الماءَ الذي يَرفَعُونَ به الحَدَثَ، ويتخفَّفونَ به ولو بالوضوءِ، وليس المرادُ تقييدَهُ بالمسافرِ وخروجَ غيرِه مِن حُكْمِهِ؛ ولذا رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ المَعْنيَانِ.


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٥٧).
(٢) "تفسير الطبري" (٧/ ٥٠ - ٥٣)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٧٢١)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٥٩).
(٣) "تفسير الطبري" (٧/ ٥٤ - ٥٨)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٧٢٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٩٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>