للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا: أنَّ اللهَ ذكَرَ هذه الآيةَ بعدَ ذِكْرِهِ لعِصْيانِ المُنافِقِينَ للنبيِّ عندَ غيابِهم عنه، وإظهارِ طاعتِهِ في الشهادةِ؛ فهم المقصُودونَ هنا في هذه الآيةِ بِرَدِّ الأمر، والنبيُّ هو المقصودُ برَدِّ الأمرِ إليه، ويَتْبَعُهُ في حُكْمِهِ مَن وَرِثَ الأمرَ منه، وهم العلماءُ؛ كما قال : (إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ) (١).

ثانيًا: أنَّ اللهَ قال: ﴿أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾، ولا يَستنبِطُ إلَّا عالِمٌ، فالاستنباطُ هو استخراجُ الصالحِ للنازِلةِ مِن الدليلِ العامِّ؛ وهذا لا يكونُ إلَّا مِن عالِمٍ بالدليل، بصيرٍ بالتعليل.

ثالثًا: أنَّ اللهَ ذكَرَ العِلْمَ في الآية، فقال: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ﴾، ولم يَقُلْ: لأمَرَ به، أو نَهَى عنه؛ لأنَّ الأمرَ والنهيَ قد يكونُ عن عِلْمٍ، وقد يكونُ عن جهلٍ، ولكنَّه قال: ﴿لَعَلِمَهُ﴾؛ يعني: عَلِمَ العالمُ ما يصلُحُ للنازِلةِ مِن الأمرِ: إعلانَها أو إسرارَها، وصِفةَ تدبيرِها، وعمَلَ الناسِ بها، وموقفَهم منها؛ وهذا لا يكونُ إلا لوليِّ الأمرِ العالِم، لا الآمِرِ بلا عِلْمٍ.

رابعًا: أنَّ الله قال بعدَ ذلك: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، ولا يَقِي مِن سبيلِ الشيطانِ ويَجلِبُ رحمةَ اللهِ إلَّا العِلْمُ والعَملُ به.

وقد نصَّ على أنَّ المرادَ بأُولي الأمرِ في هذه الآيةِ: العلماءُ: جماعةٌ؛ كقتادةَ وخصيفٍ وغيرِهما (٢)؛ وتقدَّمَ الكلامُ على معنى أُولِي الأمرِ بالقرآنِ في مواضِعَ.


(١) أخرجه أبو داود (٣٦٤١) (٣/ ٣١٧)، والترمذي (٢٦٨٢) (٥/ ٤٨)، وابن ماجه (٢٢٣) (١/ ٨١).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>