للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِصاصًا بالحسَناتِ والسيِّئات، ممَّا لم يتَسامَحُوا فيها في الدُّنيا وَيعفُوا أو يَستَوفُوا.

والخلودُ في لغةِ العَرَبِ: هو طولُ البقاء والمُكْثِ، وليس المرادُ منه البقاءَ بلا نهايةٍ، وتُسمِّي العربُ الولدَ خالِدًا، والذِّكرَ مخلَّدًا؛ لطولِ بقائِه، لا دوامِهِ إلى ما لا نهايةَ له؛ فالقتلُ ولو استوفَى المقتول به حسناتِ القاتل، فإنَّه لا يَستوفي مِن توحيدِه، فلا يُزِيلُ التوحيدَ إلا الكفرُ والشِّركُ، والقتل ليس بكُفرٍ، وقد ثبَتَ في "الصحيحينِ": "أنَّه يَخرُجُ مِن النار من كان في قلبِه مِثقالُ حَبةٍ مِن إيمانٍ" (١).

* * *

قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٩٤)[النساء: ٩٤].

لمَّا شرَعَ اللهُ الجهادَ وكتَبَهُ على المؤمِنِين، وكانتِ النفوسُ مُقبِلةً عليه متشوِّقةً له - لِمَا سَلَف مِن عداوةِ الكافِرِينَ وبغيهم على المؤمنينَ - جاءَت هذه الآيةُ داعيةً للتحرِّي والتثبتِ عندَ الخروجِ للقتالِ مِن عدمِ التمييزِ بينَ مَن يجبُ قتالُهُ ومَن لا يجبُ ومَن لا يجوزُ؛ فإن النفوس قد يَدْفَعُها العداوةُ والانتصارُ والحميَّةُ الدينيَّةُ وحبُّ الغنيمة، فتَظلِمُ وهي لا تُريدُ الظلمَ، فأوجَبَ اللهُ التبيُّنَ والاحترازَ.


(١) أخرجه البخاري (٤٤) (١/ ١٧)، ومسلم (١٩٣) (١/ ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>