للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "تَستَخْفونَ بإيمانِكُم كما استَخفَى هذا الرَّاعي بإيمِانه" (١).

ومن هذا قولُهُ تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾ [الأنفال: ٢٦]، فإن تذكَّرَ الإنسانُ سالفَ أمرِه، لا بدَّ أن يَجِدَ مِن تغيُّرِ حالِهِ ما يُدرِكُ به فضلَ اللهِ عليه.

وتذكُّرُ الإنسانِ لسابقتِهِ يدعُوهُ إلى التواضُعِ وحضورِ العدلِ والإنصافِ في نفسِه، وكَسرِ شَوكةِ الكِبرِ منها؛ وهدا يحتاجُ إليه كل أحدٍ؛ لتطهيرِ النَّفْس، والعدلِ مع الناس، والرحمةِ بهم؛ فمَن كان عالِمًا، تذكَّرَ جَهلَهُ، فرَفَقَ بالجاهلِ وعذَرَه وعَلَّمَه، ومَن كان مسلِمًا بعدَ كُفرِه، تذكَّرَ كُفْرَه، فعرَفَ مواضِعَ مؤاخَذةِ الكافر، ومَن كان غنيًّا، تذكَّرَ فَقْرَهُ فرَحِمَ الفقيرَ وأعطاه.

وتذكُّرُ الإنسانِ حالَة قبلَ النعمةِ يذكِّرُهُ بفضلِ اللهِ عليه ونعمتِهِ ورحمتِهِ به، فيَتواضعُ وَيرحم ويشكرُ؛ وهذا يحتاجُ إليه كل أحدٍ؛ قال اللهُ تعالى لنبيِّه : ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: ٦ - ٨]، ثم قال اللهُ مبينًا أثرَ التذكيرِ بسالفِ الأمرِ: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١﴾ [الضحى: ٩ - ١١]، فذكَّرَهُ باليُتم، ثم نَهاهُ عن قَهرِ اليتيم، وذكرَهُ بعدمِ العِلْم، ثمَّ نَهاهُ عن نَهرِ السائلِ الجاهل، والسائلِ الفقيرِ.

قال قتادةُ في قولِهِ تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾: "كانَتْ هذه منازِلَ رسولِ اللهِ قبلَ أن يَبعثَهُ اللهُ "؛ رواهُ سعيد عن قتادةَ؛ أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ (٢).


(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٣٦٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٤١).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٤/ ٤٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>