وحُكمُ الحاكمِ والقاضي بعِلْمِهِ ممَّا اختَلَفَ فيه الفقهاءُ.
والجمهورُ: على أنَّه لا يحكُمُ بعِلْمِهِ قبلَ مجلسِ قضائِه، فكلُّ ما عَلِمَهُ قبلَ ولايتِهِ لا يحكُمُ به؛ وهو قولُ مالكِ وأبي حنيفةَ وأحمدَ.
خلافًا للشافعيِّ؛ فقد أجازَ حُكْمَ القاضي بعِلْمِه، وله قولانِ:
أحدُهما: قيَّدَ ذلك بالأموالِ فقَطْ.
والثاني: أطلَقَهُ في جميعِ الأحكامِ مِن الأموالِ والحدودِ.
والأوَّلُ مِن قولَيْهِ هو قولُ أبي يوسُفَ ومحمَّدِ بنِ الحسَنِ أصحابِ أبي حنيفةَ.
وقولُ الشافعيِّ بمِصْرَ يُقيِّدُ حُكْمَ الحاكمِ بعِلْمِهِ إذا كان الحاكمُ مشهورًا بالعَدْلِ بعيدًا عَنِ التُّهَمةِ.
واختلَفَ المانِعونَ مِن حُكْمِ الحاكمِ بعِلمِه في حُكْمِ القاضي بما يَعْلَمُهُ بعدَ ولايتِه للحُكْمِ؛ يَعني: بما بانَ له مِن دليلٍ في أثناءِ الحُكْم، ولو جحَدَهُ صاحِبُهُ ولم يسمَعْهُ غيرُ القاضي، فهل له أن يحكُمَ به؟ على قولينِ:
الأوَّلُ: قالوا بجوارِ حُكْمِ الحاكمِ بعِلْمِهِ بعدَ ولايتِهِ للقضيَّةِ ولو لم يَسمَعْهُ إلَّا هو، ولو جحَدَهُ صاحبُهُ، وقيَّدُوه بالأموالِ خاصَّةً، لا في الحدودِ؛ وبهذا قال أبو حنيفةَ والأوزاعيُّ وجماعةٌ مِن أصحابِ مالكٍ.
الثَّاني: قالوا: إنَّه لا يَحكُمُ بعِلمِه مُطلَقًا ولو كان في مجلِسِ قضائِهِ وبعدَ ولايتِهِ للحُكْمِ في قضيَّتِه؛ وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ وأبي عُبَيدٍ، ومِنَ التابعينَ شُرَيْحٌ والشَّعْبيُّ.
ومَن أجازَ حُكْمَ الحاكمِ في قضيَّةٍ بعِلْمِهِ قبلَ مجلسِ قضائِه، يقولُ بجوازِه بعدَ ولايتِهِ للحُكْمِ فيها مِن بابِ أوْلَى، ومَن منَعَ منه في مجلسِ قضائِه؛ فإنَّه يَمنعُ مِن حُكْمِهِ بما يَعْلَمُهُ قبلَهُ مِن بابِ أَوْلى.
وقد كان الشافعيُّ - وهو المخالِفُ للجمهورِ في قضاءِ القاضي