للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عددِ الإقرارِ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد روى أحمدُ وأصحابُ "السننِ"؛ مِن حديثِ أبي أَميَّة المَخزومِيِّ؛ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي بلِصٍّ قدِ اعترَفَ ولم يُوجَدْ معه متاعٌ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ) (١)، وفي سندِه مجهولٌ، وهو أبو المنذِرِ مَوْلَى أبي ذَرٍّ، يَرْوِيهِ عن أبي أميَّةَ، به، وفي مَتْنِه اضطرابٌ، فتارة يَقولُ: (مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ) مرَّتَيْن، وتارةً يَقولُ: "مرَّتَينِ أو ثلاثًا"، وقد جاء مِن حديثِ أبي هريرةَ بنحوِه (٢)، والصوابُ: إرسالُهُ مِن حديثِ محمدِ بْنِ عبدِ الرَّحمنِ بن ثَوْبانَ مُرْسَلًا.

أخرَجَه أبو داودَ (٣)، وصوَّبَ المرْسَلَ ابنُ المَديني وابن خُزَيْمةَ وغيرُهما.

ولو صحَّ الحديث، لكان في الاستبانةِ عندَ قَيامِ شُبْهةِ عدَمِ السَّرِقةِ! لعدَمِ وجودِ المتاعِ معه.

ولو كان الإقرارُ لا يصحُّ إلَّا بعددٍ يتوقَّفُ في ثبوتِهِ عليه، لصَحَّ النقلُ له بأقوى إسنادٍ؛ كما في عددِ شهادةِ المتلاعِنَينِ على نفسَيهِما، وعددِ الطلاقِ والحيضِ وغيرِ ذلك؛ فإنَّ في ذلك حِفْظًا للدِّماءِ والأعراضِ والأموال، أو تضييعًا لها، ولكنْ لمَّا كان المقصودُ الإقرارَ بعَينِه، وجَبَ على القاضي تحقيقُهُ مِن أيِّ شُبْهةٍ تُضعِفُه، ودفع الشُّبُهاتِ لا يتحقَّقُ بعددٍ معيَّنٍ، واللهُ أمَرَ بالعدلِ مع النفسِ؛ وذلك بالإقرارِ عليها بما يتحقَّقُ به العدلُ بلا عددٍ؛ كما في قولِهِ تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: ١٣٥].


(١) أخرجه أحمد (٢٢٥٠٨) (٥/ ٢٩٣)، وأبو داود (٤٣٨٠) (٤/ ١٣٤)، والنسائي (٤٨٧٧) (٨/ ٦٧)، وابن ماجه (٢٥٩٧) (٢/ ٨٦٦).
(٢) أخرجه البزار في "مسنده" (٨٢٥٩) (١٥/ ٤٦)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٣/ ١٦٨)، والحاكم في "المستدرك" (٤/ ٣٨١)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٢٧٥).
(٣) أخرجه أبو داود في المراسيل" (٢٤٤) (ص ٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>