وكلَّما قَوِيَتِ القرينةُ على عدَمِ صحةِ الإقرار، زِيدَ في تكرارِ الإقرارِ واستيضاحِهِ؛ كما قال النبيُّ - صلى الله عليه ومسلم - لِمَن أقرَّ على نفسِهِ:(أَبِكَ جُنُون؛ )(١)، هو أرادَ نَفيَ شُبْهةِ الجنونِ وغيابِ العقلِ؛ ولذا أعادَ النبى - صلى الله عليه ومسلم - طَلَبَ الإقرارِ بأعدادٍ متبايِنةٍ؛ فتارةً مرَّةً، وتارةً مرَّتَين، وتارةً أربعًا؛ ممّا يدلُّ على عدمِ قصدِ العددِ بعينِه، وإنَّما جِلاءُ الإقرارِ وتحقُّقُه وصِحَّتُه.
والإمامُ أحمد وإسحاقُ يَرَيَانِ الإقرارَ أربعًا لإقامةِ الحدِّ؛ لظاهرِ رَجمِ ماعزٍ في "الصحيحَينِ"؛ حيثُ شهِدَ على نفسِهِ أربعَ شهاداتٍ، وحديثِ جابرٍ في قصَّةِ رجمِ ماعزٍ؛ فإنَّما هو شهِدَ على نفسِه مِن تِلقائِها، ولم يَطلُبْ مِنه أربعًا، ثُمَّ بعدَ الرَّابعةِ قال له النَّبيُّ - صلى الله عليه ومسلم -: (أَبِكَ جنونْ؟ )، فكانَتْ خمسًا، وظاهرُهُ عدمُ قصدِ الأربع؛ وإنَّما دفعُ الشبهة، والتشوُّفُ للسَّتر.
ويكون الإقرارُ عندَ مَنْ له ولايةُ الحَدِّ، وهو الحاكمُ القاضي الذي يَفصِل ويأمُرُ بتنفيذِ ما فصَلَ به، لا عند غيرِه؛ عند جمهورِ العلماءِ.
في الآيةِ: كَراهةُ النَّجْوَى بغيرِ المعروف، والأمرِ بالصَّدَقة، والإصلاحِ بين الناس، والنَّجْوَى: هو الحديثُ الذي يُهمَسُ به بين اثْنَيْنِ أو ثلاثةٍ، ولا يُعلَن فيُسمَعَ؛ وإنَّما يُسَرُّ به ويُخفَى؛ ومِن ذلك قولُه تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧].
والأصلُ في الشريعةِ: التشوُّفُ إلى الإعلان، وكراهة الإسرارِ؛ لأنَّ