للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيلَان بن عبد اللهِ أنَّ ابنَ عمرَ سأله سائلٌ؛ قال: إنه توضأ ونَسِيَ أن يمسَحَ أذنَيه؟ قال: فقال ابنُ عمرَ: الأذنانِ مِن الرأس، ولم يرَ عليه بأسا (١).

وهكذا التابِعونَ لا يُعرَف القولُ بالوجوبِ عن أحد منهم، وقد جاء عن قتادةَ قولان صحيحان؛ واحد: بالإعادة لمَن نسي، والآخَرُ: بعدمِها، والأصح قوله فيما يوافِقُ ظاهِرَ السنةِ ومَا عليه الناسُ في القرونِ المُفضلةِ.

ثالثا: أنَّ الأذُنينِ مِن الرأس، والرأس حقه التيسيرُ، وقد سمَّاه الله في كتابِه، ومع ذلك فلو ترَكَ المتوضئ شيئا بحجمِ الأذُنِ منه، لم يبطُل وضوءه وعُد ماسحا لرأسِه؛ ولذا كان حق الأُذُنِ المسحَ لا الغَسْلَ.

ومَن ترَكَ رأسَه ومسَحَ بأذنَيهِ فقط، لم يُجزِئْهُ؛ لأنها تابعة ليست مقصودة لِذَاتِها كحالِ اللحيةِ مع الوجه، والمضمضةِ والاستِنشاقِ مع الوجه، وفي هذا قرينة على عدم رجحانِ قولِ مَن قال: "إنَّه يُجزئُ شيء يسير مِن الرأسِ ولو بحجمِ الأذَنِ"؛ لأنه لو صح ذلك، لأجزأتِ الأذنُ عن الرأسِ بالمسحِ؛ لأنها منه على قولِهم.

والفمُ وداخِلة الأنفِ ألصَقُ بالوجهِ وأقرَب مِن الأذنَينِ بالنسبةِ للرأس، وكل مَن خففَ في المضمضةِ والاستنشاق، فحقُّه التخفيفُ في مسحِ الأذنين مِن بابِ أَولى.

وعامةُ السلفِ يجعلونَ مسحَ الأذنَينِ مع الرأس لا مع الوجه، وحُكمهما المَسح لا الغَسل، ومنهم: مَن جعَلَ ما أقبَلَ مع الوجهِ فيُغسَل، وما أدبَرَ مع الرأسِ فيمسحُ؛ رُوِيَ عن الشعبي (٢)، ولا سلَفَ له،


(١) "تفسير الطبري" (٨/ ١٧٠).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٦٥) (١/ ٢٤)، والطبري في "تفسيره" (٨/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>