كَفيه، وَوَجهَهُ" (١)، مع أن آيةَ التيممِ بدأت بالوجهِ: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾، ومع قلةِ التيممِ وقوعًا منه ﷺ، ومع هذا صَحتِ الروايةُ بالتقديم والتأخير، وهي وإن كان بعضُها رُوِيَ بالمعنى، فإن الراويَ إن تساهَلَ في تقديمِ شيء على شيء، دل على فهمِه التيسيرَ منه؛ ولذا فالرواةُ يُشدِّدونَ في أبوابِ ترتيب أعضاءِ الوضوءِ عندَ روايتها مع كثرتِها.
وبعضُهم يستدِلُّ برواياتِ عدمِ الترتيب في التيمُّمِ في بعضِ الأحاديثِ على جوازِ عدمِ الترتيبِ في الوضوءِ.
وهذا فيه نظر؛ فدَلالتُها على عكسِ ذلك أظهَر وأشد، وحق رواياتِ الوضوءِ أن تنقَلَ على عدمِ ترتيب أَولى مِن التيمم، ومع ذلك أحكِمتْ في "الصحيحَيْنِ" وعامَّةِ الرِّوايةِ الصحيحةِ خارجَه على ترتيب الأعضاءِ كما في القرآن، وورودُ تقديم وتأخيرِ في التيمُّمِ دال على التشديدِ في الوضوء والتخفيفِ في التيمم، لا أن إحكامَ رواياتِ الوضوءِ دالٌّ على التشديدِ في أعضاءِ التيمم، ولا أنَّ اختلافَ روايات التيممِ دال على التساهُلِ في أعضاءِ الوضوءِ؛ فالتحقيق بينَ ذلك.
الرابع: أن اللهَ ابتدَأ بالأمرِ بغَسلِ الوجهِ في الآية، ولو لم يُقصَدِ الترتيب، لكان غسلُ اليدَينِ إلى المرفقينِ أيسَرَ للمتوضئِ؛ لأن يدَه أولُ ما يقعُ في الماء، وإنهاؤُها أقرَب وأيسر عليه مِن جهةِ النظرِ المجرَّدِ للتقديم، ولكن قُصِدَ الترتيب لحِكمة، فانتقلَ لبداءةِ بالوجهِ على اليدَيْن، واللهُ أعلَمُ.
وبوجوبِ الترتيبِ قال غير واحد مِن السلفِ؛ كما صحَّ عن ابنِ المسيبِ.