الجنابة؛ لأنَّ الله أجمَلَ عند الأمرِ بالغُسل، ورَتَّب عند الوضوء.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَو عَلَى سَفَرٍ أَو جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَو لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾، وقد تقدمَ الكلامُ على شيء مِن معنى ملامَسةِ النساءِ والتيمم والماء، وحكمِ ذلك في سورةِ النساءِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ [٤٣].
ثم قال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾؛ وهذه إرادتُه الشرعيَّة، وهي أحكامُه حلالُهُ وحرامُهُ وتشريعه، فلا يُنزِلُ حُكمًا إلا وهو مقدور عليه مِن المكلَّفِينَ؛ كما قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].
ثم قال: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، وفي هذا ذِكْرُ التعليلِ؛ أنه سبحانَه لم يُرِدِ المشقةَ على عبادِه، ولكنه أراد تطهيرَهم وتنزيهَهُم مِن الأنجاس والأقذار، وذِكرُ التعليلِ والغايةِ مع الحُكمِ فيه تسكين للنفوسِ لِتقبلَهُ وتُسَلِّمَ به، وهذا إن كان في حكمِ الخالقِ للمخلوق، فإن حُكْمَ الحاكمِ مع المحكومِ والراعِي مع الرعيةِ: مِن باب أولى.
وأضافَ اللهُ النعمةَ إليه؛ تعظيما لها، وهي نِعْمةُ الإسلامِ وما فيه مِن تشريع وأحكامٍ وحِكَم لصالحِ العباد، ثم أراد مِن العِبادِ شُكرَ النعمة، وأعظم النعَمِ المُستحِقةِ للشكرِ نعمةُ ديِنه وتشريعِه، وكلما تجلى للعبدِ شيء مِن عِلمِ الوحيِ أو العملِ به، فإن ذلك يَستوجب تجديدَ الشكرِ؛ ليُحفَظَ الدين مِن سُوءِ القصدِ وسُوءِ العملِ.