للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨)[المائدة: ٨].

خاطب اللهُ المؤمِنينَ وأمرَهم بالعدل والقسطِ وألَّا ينتصروا لأنفسِهِم، فقال: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ﴾؛ يعني: لا لأنفسِكُم؛ فتأخذوا بالثأرِ لها؛ فتقيموا أنفسكم مقامَ الله، وَتظنوا أنكم تنتصِرونَ له. وكثيرا ما ينتصِر الرجلُ لنفسِهِ ويظن أنه ينتصر لله؛ وذلك عند اختلاطِ حقه بحق الله فيمتزجانِ؛ فتنشط النفسُ إذا بُغِيَ عليها أكثَرَ مِن نشاطِها للحقِّ مَعَ عَدَمِ البغي عليها.

وقوله: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾؛ يعني: لا يحمِلَنَّكم؛ كما قالَه ابنُ عبَّاسٍ وقتادة (١).

والشنآنُ هو البَغضاء، وهي في الغالب جالبة للعدوانِ؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٢]، وهو ظاهر في تسببه في انتفاءِ العدل، كما في هذه الآية، قال: ﴿عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا﴾.

وقيل عن آية البابِ: نزلَت في يهودَ لما طلب منهم النبي ؛ الإعانةَ على دِيَةٍ، فهَموا بقتلِه، فأنزَلَ الله الآيةَ هذه فيهم (٢)، وفيه جواز الاستعانةِ بأهلِ الذمةِ والعهدِ وبأموالِهم لمصالحِ المُسلِمينَ وحاجتِهم، عندَ نزولِ نازلةٍ فيهم.


(١) "تفسير الطبري" (٨/ ٤٤).
(٢) "تفسير الطبري" (٨/ ٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>