للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"بابُ الأذانِ فوقَ المَنَارةِ" (١). وبمعناهُ عندَ ابنِ أبي شَيْبةَ في "مصنَّفِه"، والبيهقيِّ في "سننِه" (٢) - فمرادُهم بدلك السطوحُ؛ ولذا قال في الأثرِ السابقِ: "الأذانُ في المنارةِ، والإقامةُ في المسجدِ"؛ يعني: فوقَ المسجدِ وداخِلَهُ.

والحِكْمةُ مِن الأذانِ فوقَ السطوحِ: الإسماعُ، ومع حصولِ الأجهزةِ الحديثةِ، فلا حاجةَ إلى ذلك؛ فالصعودُ ليس سُنَّةً في ذاتِه، وأمَّا صنع المآذنِ والمنارات في المساجدِ، فمستَحَبٌّ لكثرةِ الناسِ وتباعُدِهِمْ عن المساجدِ في زمنِنا، وكثرةِ ما يَمْنَعُ وصولَ الصوتِ إليهم مِن تطوُّرِ البناءِ الذي يَعْزِلُ الصوتَ، وكثرةِ الموانعِ مِن السماعِ مِن الآلاتِ والسياراتِ؛ فقد استُحبَّ صنعُ المناراتِ والمآذنِ ليتحقَّقَ المقصودُ مِن السماعِ.

* * *

قال اللهُ تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: ١٤٤]، وقال: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [البقرة: ١٤٩].

كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كثيرَ النظرِ إلى السماءِ تأمُّلًا وتدبُّرًا وتفكُّرًا؛ وهذا مِن العباداتِ التي قلَّ مَن يفعلُها، وإنْ نظَرَ الناسُ إلى السماءِ، نظَرُوا إعجابًا وتَسْلِيَةً، لا تعظيمًا للخالقِ بتأمُّلِ عظيم مخلوقِه؛ فكثيرًا ما يذكُرُ اللهُ خَلْقَ السمواتِ والأرضِ أنَّه آياتٌ لأُولي الأَلبابِ؛ قال تعالى: {إِنَّ فِي


(١) "سنن أبي داود" (١/ ١٤٣).
(٢) "مصنف ابن أبي شيبة" (١/ ٢٠٣)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (١/ ٤٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>