ويدخُلُ في هذا حِمَى الملوكِ التي يَحمُونَها بلا مصلحةٍ عامَّةٍ، وَيمنَعونَ منها ابنَ السَّبِيلِ ورُعَاةَ البهائمِ أنْ تَطعَمَ وتَشرَب ممَّا لم تَعمَلْهُ أيدِيهِم فيها؛ فهذا داخلٌ في النهيِ بلا خلافٍ.
وأمَّا ما كان له مؤونةٌ فيه كماءِ البئرِ الذي يُخرِجُهُ بنفسِه، وعُشْبِ بُستانِهِ الذي يَرْعاهُ ويَحمِيهِ ويَسقِيه، أو الحَطَبِ الذي يَحْتَطِبُهُ بنفسِه، فلا حرَجَ في بيعِه.
وما كان في أرضِهِ ممَّا لم يَبْذُلْ فيه جهدًا؛ كأن تَنبُعَ عينٌ في أرضِهِ أو يكونَ في أرضِهِ ماءٌ مِن المطرِ:
فذهَبَ أحمدُ في روايةٍ: أنه لا يجبُ علمِه بَذْلُه، ولكن لا يجوزُ له أنْ يَحبِسَهُ عن الناسِ وهو يَعلَمُ أنه لا يَنتفِعُ منه، فما زادَ عن حاجتِهِ مِن مائِه، فاختُلِفَ في وجوبِ بَذْلِهِ لمَن يحتاجُ إليه على قولينِ, هما روايتانِ عن أحمدَ:
فقال الشافعيُّ: لا يَلزَمُه بَذْلُهُ، وله أخذُ عِوَضٍ عليه.
وقال بعضُهم: بوجوب بَذلِه بلا عِوَضٍ؛ واحتجُّوا بما رُوِيَ عن عبد اللهِ بنِ عمرٍو: أنَّ قَيِّمَ أرضَهِ بالوَهْطِ كتَبَ إليه يُخبِرُهُ أنه سَقَى أرضَهُ، وفَضَلَ له من الماءِ فضلٌ يُطلَبُ بثلاثينَ ألفًا، فكتَبَ إليه عبدُ اللهِ بن عَمرٍو ﵄:"أَقِمْ قِلْدَكَ ثُمَّ اسْقِ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ"(١).
فقد فَهِمَ عبدُ اللهِ بن عمرٍو مِن الحديثِ مَنْعَ بيْعِ ما زادَ عن ماءِ أرضِه.
وكان أحمدُ في قولٍ يَنْهَى عن بيعِ فضلِ ماءِ الآبارِ والعيون، فضلًا عن الأنهارِ والبحارِ.