للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا البئرُ، فيجوزُ بيعُها؛ لأنَّها حُفِرَتْ بمؤونةٍ وعملٍ، ولو كان الماءُ الذي فيها فضَلَ عن حاجةِ صاحِبِها؛ لأنَّ البيعَ للبئر، وقد أَذِنَ النبيُّ ، بذلك؛ (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، فَيَكُونُ دَلْوُهُ فيهَا كَدِلَاءِ المُسْلِمِينَ)، فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ ، كما في البخاريِّ (١)، وقد سَبَّلَها عثمانُ بن عفَّانَ بأمرِ النبيِّ لِلمُسلمِينَ، وكان اليهوديُّ يبيعُ ماءَها.

وفي بعضِ رواياتِ الحديثِ خارجَ "الصحيحِ"؛ أنَّ عثمانَ اشترَى منه نِصفَها باثنَيْ عشَرَ ألفًا، ثم قال لليهوديِّ: اختَرْ إمَّا أنْ تَأْخُذَهَا يومًا، وآخُذَهَا يومًا، وإمَّا أنْ تَنْصِبَ لك عليها دَلْوًا، وأَنْصِبَ عليها دَلْوًا، فاختارَ يومًا ويومًا، فكان الناسُ يَسْتَقُونَ منها في يومِ عثمانَ لِليومَين، فقال اليهوديُّ: أَفْسَدتَّ عليّ بِئْرِي، فاشَتَرِ بَاقِيَها، فاشتراهُ بثمانيةِ آلافٍ (٢).

ومِثلُ الماءِ: الرِّمالُ والتُّرابُ والحجارةُ التي في الأرضِ غيرِ المملوكةِ: لا يجوزُ أنْ يتسلَّطَ عليها مَن يَمنَعُها إلَّا بِبَيْعِها، وأمَّا إنْ كان ذلك في مِلْكِه، فيأخُذُ حُكْمَ الماءِ على الأرجحِ؛ فما كان للإنسانِ فيه مؤونةٌ كحَفْرٍ ونقلٍ، جاز، وما لم يكنْ له مؤونةٌ وكُلْفةٌ وكان مِن فضلِ أرضِه لا يَتضرَّرُ بفَقْدِه، فلا يجوزُ بيعُهُ على الأظهَر، وإنْ كان محتاجًا إليه وليس مِن فضلِ أرضِهِ وأرادَ أن يبيعَ حقَّه منه، جاز ذلك.

وأمَّا الأرضُ المُشَاعةُ كالماءِ المُشَاعِ مِن مياهِ الأنهارٍ والبحار، فلا يجوزُ لأحدٍ أنْ يقولَ: "أَبِيعُ نَصِيبِي منه"؛ كما لو تقاسَمَ الناسُ


(١) أخرجه البخاري معلقًا قبل حديث (٢٣٥١).
(٢) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٨/ ٢٠٤)، و"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (٣/ ١٠٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>