للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدِّينُ، ويُعرَفُ بلدُ الإسلامِ مِن بلدِ الكفرِ، ويتمايَزُ الناسُ ويَشهَدُ بعضُهُمْ لبعضِ بالخيرِ والعدالةِ.

وقد شرَعَ اللهُ للصلواتِ الخمسِ الأذانَ، وبه يقومُ الناسُ إلى الصلاةِ ويَشْهَدونَها ويَرى بعضُهم بعضًا، ومِثِلُهُ الزكاةُ: يُظهِرونَ حصادَهُمْ، ويَسْألونَ عن الفقير، ويَجْمَعُها السُّلْطانُ إن شاءَ منهم، وكذلك صومُ رمضانَ؛ يتراءَى الناسُ الهلالَ ويَتباشَرونَ به وَيدْعو بعضُهم بعضًا إلى الطعامِ فِطْرًا وسحورًا، وكذلك الحجُّ: مشهودٌ، ويَحْسِرُ الرِّجالُ عن رؤوسهم تذلُّلًا للهِ ولِيرَى بعضُهم بعضًا مجتمعين؛ والنِّساءُ يَحسِرْنَ وُجُوهَهن بينَهُنَّ، ولا يُستحَبُّ أنْ يَستتِرَ الواحدُ منهم عن الناسِ.

الثانية: الجماعةُ؛ فكلُّ عبادةٍ شرَعَ الله لها الاجتماعَ، فإعلانُها أفضَلُ مِن إسرارِها ولو كانتْ في ذاتِها غيرَ واجبةٍ؛ كصلاةِ الاستسقاءِ ومجالسِ الذِّكْرِ والتعليمِ وصلاةِ العيدَيْنِ على قولٍ، وجهادِ الطلَبِ، ولم تُشرَعِ العبادةُ جماعةً إلَّا وإشهارُها مقصودٌ، فإذا اجتمَعَ مشروعيَّةُ الجماعةِ مع وجوبِها، كان ذلك آكَدَ في إعلانِها.

الثالثة: مَن يُقتدَى به؛ فالأفضَلُ له إعلانُ عملِهِ ما لم يَخَفْ على نفسِه، وقد قال النبيُّ : "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" (١)، وقال : (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا) (٢).

ولمَّا كان النبيُّ قُدْوةً للناسِ كافَّةً، كان عملُهُ كلُّه تُشرَعُ فيه العلانيَةُ، ولم يثْيُتْ عن النبيِّ أنه كان يَستتِرُ عن أعيُنِ الناسِ بعبادتِه، فلو استَتَرَ، لم يَتعلَّمِ الناسُ دِينَهُمْ؛ لأنَّه مبلِّغٌ عن الله، ولكنْ كان النبيُّ يطلُبُ الخَلْوةَ بربِّه لَتشريعِ ذلك لأُمَّتِه.


(١) أخرجه مسلم (١٨٩٣).
(٢) أخرجه مسلم (١٠١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>