للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أنْ يدعوَ على نفسِهِ وولدِهِ بموتِ أو فسادِ حالٍ؛ فهذا ممَّا جاءَ النهيُ فيه، وهو تَعَدٍّ في مقصدِ الدُّعاءِ المشروع، فشُرعَ الدعاءُ عبادةَ للخالقِ ومنفعةً للمخلوق، وسؤالُ العبدِ الضُّرَّ يُخالِفُ شريعةَ اللهِ في الدُّعاءِ.

ومنها: أن يدعوَ على مَن ظلَمَهُ بأعظَمَ مِن مَظْلِمَتِهِ؛ لأنَّ اللهَ ينتصِرُ ويقتصُّ للمظلوم، ومُقتضَى عدلِهِ: ألا يَظلِمَ أحدًا ولو كان ظالمًا، وسؤالُ اللهِ عقابَ الظالمِ بما هو أعظَمُ مِن ظُلمِهِ: سؤالٌ للهِ أنْ يَظلِمَ عبدَه - تعالى اللهُ - كمَن يُغتصَبُ مِن مالِهِ شيءٌ حقيرٌ كعُودِ أَرَاكٍ أو قلمٍ أو درهمٍ، فيَدْعو على المُغتصِبِ بهلاكِ نفسِهِ وولدِهِ وأهلِهِ؛ فهذا اعتداءٌ؛ لأنَّ الدُّعاءَ على الظالمِ يكونُ بقَدرِ المَظلِمَةِ.

ومنها: أن يدعوَ بتحقيقِ المحالِ؛ كأن يدعوَ أحدٌ بأن يجعَلَهُ اللهُ نبيًّا أو ملَكًا، فذلك منهيٌّ عنه يُعارِضُ أصلَ القصدِ مِن الخَلقِ والشرعِ.

ومنها: الدعاءُ بما لا يُحتاجُ إليه مِن فضولِ القولِ، الذي يُغني عنه مُجمَلُهُ، وكذلك فإنَّ الأدبَ مع اللهِ سؤالُ الحاجاتِ بإجمالٍ؛ لعلمِهِ سبحانَهُ بما يُصلِحُ العِبادَ؛ فعن ابنِ لسعدٍ أنه قال: سَمِعَنِي أبِي وَأنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْألُكَ الجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهجَتَهَا، وَكَذَا وَكَذَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَسَلَاسِلِهَا وَأَغلَالِهَا، وَكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (سَيَكُون قَوْمٌ يعتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ؛ فَإياكَ أَن تَكُونَ مِنهُمْ؛ إنَّكَ إِن أعْطِيتَ الْجَنَّةَ، أُعطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخيْرِ، وَإنْ أُعِذْتَ مِنَ النَّار، أعَذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ) (١).

ومِن ذلك: ما صحَّ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ القَصرَ الأبيَضَ عَنْ يَمِينِ الجَنَّةِ إِذَا دَخَلتُهَا، فَقَالَ: أي بُنَيَّ!


(١) أخرجه أبو داود (١٤٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>