للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بالوجوبِ ابنُ المُنذِرِ (١).

وقد روى أحمدُ؛ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ المؤمَّلِ، عن عمرَ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن عطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ، عن صَفِيَّةَ بنتِ شَيْبةَ، عن حَبِيبةَ بنتِ أبي تُجْرَاةَ؛ قالتْ: قال رسولُ اللهِ : (اسْعَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ) (٢)، وعبدُ اللهِ بن المؤمَّلِ لا يُحتَجُّ به (٣).

وللحديثِ وجوهٌ أُخرى لا تَخلُو مِن مقالٍ.

وجوَّدَ إسنادَهُ غيرُ واحدٍ؛ كالشافعيِّ وأبي نُعَيْمٍ، كما نقلَهُ ابنُ عبدِ البرِّ في الاستذكارِ (٤).

واستدلالُهُمْ بقولِه : (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فيه نظرٌ؛ وذلك أنَّ المرادَ بالأخذِ في الحديثِ هو الاقتصارُ بأخذِ التشريعِ عنه لا عن غيرِه؛ لأنَّ بقايا أعمالِ الجاهليَّةِ في المناسكِ كانت ما زالَتْ حاضرةً في أذهانِ المسلِمينَ، ومِن ذلك حرَجُهُمْ مِن الصَّفَا والمَرْوَةِ، وخَشْيةَ أنْ يكونَ هناك مَن يعملُ بحُسْنِ قصدٍ بما بقِي لدَيْهِ مِن عملِ الجاهليةِ في النُّسُكِ؛ فالعربُ بدَّلوا أعمالَ الحجِّ.

ويُؤيِّدُ هذا المعنى أنَّا لو حَمَلْنا قولَهُ: (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) على الوجوبِ، لَلَزِمَ أنْ نقولَ بوجوبِ أعمالٍ وأقوالٍ ليستْ واجبةً؛ كتقبيلِ الحَجَرِ، والرَّمَلِ، والاضطباعِ، والذِّكْرِ بينَ اليمانِيَيْنِ، واستلامِ الركنِ اليماني، والشربِ مِن زمزمَ، والدعاءِ على الصَّفَا، ورفعِ اليدَيْنِ فيه، والشدِّ بينَ العلَمَيْنِ، والتكبيرِ عندَ رميِ الجمارِ، والتطيُّبِ عندَ الإحرامِ،


(١) ينظر: "فتح الباري" لابن حجر (٣/ ٤٩٨).
(٢) أخرجه أحمد (٢٧٣٦٧) (٦/ ٤٢١).
(٣) ينظر: "العلل ومعرفة الرجال" "رواية عبد الله" (١/ ٥٦٧)، و"تاريخ ابن معين" "دوري" (١/ ١٤١)، و"الكامل" لابن عدي (٥/ ٢٢١).
(٤) "الاستذكار"؛ لابن عبد البر (١٢/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>