للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جبهاتِهم وبُلْدانِهم وثُغُورِهم، فالتحيُّزُ أوسَعُ مِن قبلُ وأقرَبُ إلى الرُّخْصةِ فيه، كما رَوَى أبو سعيدِ الخُدْرِيُّ، قال: "إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، لَمْ يَكُن لِلْمُسْلِمِينَ فِئَةٌ إِلَّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإنَّ المُسلِمِينَ بَعْضُهُمْ فئَةٌ لِبَعْضٍ"؛ رواهُ ابنُ جريرٍ (١).

والدليلُ على ذلك: كثرةُ الأحاديثِ واستفاضتُها في التحذيرِ مِن الفِرَارِ يومَ الزحف، وجعلِهِ مِن السَّبْعِ المُوبِقات، ويُجزَمُ أنَّ كثيرًا مِن الأحاديثِ تلك -إن لم يكنْ أكثرَها- كانتْ بعدَ بَدْرٍ.

وصحَّ القولُ بالعمومِ عن ابنِ عبَّاسِ وغيرِه (٢).

وكانتِ الآيةُ عامَّةَ في تحريمِ كلِّ فِرارٍ مِن كلِّ زحفٍ، ثم خفَّفَ الله على المؤمنِينَ بجوازِ الفِرارِ مِن ضِعْفَي المؤمنِينَ، ويجبُ عليهم الثَّباتُ أمامَ مِثلَيْهِمْ وما دونَه، وبعضُ المفسِّرينَ سمَّى ذلك نسخًا؛ كعطاءٍ؛ فجعَلُوا الناسخَ لها قولَهُ تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٦]؛ رواهُ عن عطاءٍ قيسُ بن سعدٍ؛ أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ (٣).

وقد جاء مِن طريقَيْنِ عن ابنِ عبَّاسٍ: "مَن فَرَّ مِن اثنَيْنِ فقد فَرَّ، ومَن فَرَّ مِن ثلاثةٍ فلم يَفِرَّ" (٤).

وإنْ كان عددُ المشركينَ أكثَرَ مِن ضِعفَيْهم والمُسلِمونَ قادرونَ على الثباتِ والنصرِ والإثخانِ في العدوّ، كان الثباتُ أَولى؛ ولهذا قال تعالى:


(١) تفسير الطبري" (١١/ ٧٧).
(٢) "تفسير الطبري" (١١/ ٨١).
(٣) "تفسير الطبري" (١١/ ٨٠).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٣٦٩٠)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١١١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>