للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعِبادةِ الله، وليس الانتصافَ لأنفُسِهم مِن عدوِّهم، وتَشَفِّيَهم منه، وعُلُوَّهم في الدُّنيا عليه.

وكلُّ ما أخَدَهُ الكافرُ الداخلُ في الإسلامِ مِن المُسلِمينَ قبلَ إسلامِه، فليس لهم مطالبتُهُمْ به؛ فإنَّما أُخِذَ للهِ؛ فعلى اللهِ أجرُهم وثوابُهم، ولا يجوزُ لهم أن يَنتقِمُوا لأنفُسِهم ممَّن دخَلَ الإسلامَ بعدَ كُفْرِهِ الأصليّ، مهما بلَغَت آلامُهم وحقوقُهم عندَهُ؛ ففي "الصحيحَيْنِ"، مِن حديثِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيٍّ؛ أَنَّ المِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الكِنْدِيِّ حَليِفَ بَنِي زُهْرَةَ، حَدَّثَهُ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي لَقِيتُ كَافِرًا فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، وَقَالَ: أسْلَمْتُ لله، آقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ : (لَا تَقْتُلْهُ)، قَالَ: يَا رَسُولَ الله، فَإِنَّهُ طَرَحَ إِحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَمَا قَطَعَهَا! آقْتُلُهُ؟ قَالَ: (لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقتُلَهُ، وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ) (١).

الحالةُ الثانيةُ: أنْ يكونَ مرتدًّا، فكان على الإسلامِ ثم ترَكَهُ وارتَدَّ وقاتَلَ المُسلِمينَ، وأصابَ منهم دمًا ومالًا وعِرْضًا، فقد اختلَفَ العلماءُ في مُؤاخَذَتِه في الحقوقِ التي عليه للآدميِّينَ زمنَ رِدَّتِه:

ذهَبَ أبو حنيفةَ ومالكٌ والشافعيُّ: إلى أنَّ حقوقَ الآدميِّينَ لا تسقُطُ عن المُرتدّ، ولو سقَطَتْ حقوقُ الآدميِّينَ عن المرتدِّ بعدَ معرفتِهِ للحقِّ ودخولِهِ إليه ومعرفتِهِ لثُغُورِه ومَحَارِمِ أهلِه مِن دمٍ ومالٍ وعِرْضٍ، لَاتُّحِذَ ذلك ذريعةً إلى استباحةِ تلك الأموالِ والأعراصِ والدِّماءِ بالرِّدَّة، ثم العودةِ إلى الإسلامِ.


(١) أخرجه البخاري (٦٨٦٥)، ومسلم (٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>