للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشِرًى، أَو قِرًى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : (هُوَ ذَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُونَ)، قَالُوا: غَدَرْتَ يَا مْحَمَّدُ، فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ :

يَا حَارِ مَنْ يَغْدِرُ بِذِمَّةِ جَارِهِ … أَبَدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَغْدِرُ

وَأمَانَةُ الْمُرِّيِّ حَيْثُ لَقِيتَهَا … كَسْرُ الزُّجَاجَةِ صَدْعُهَا لَا يُجْبَرُ

إِنْ تَغْدِرُوا فالْغَدْرُ مِنْ عَادَاتِكُمْ … وَاللُّؤْمُ يَنْبُتُ فِي أُصُولِ السَّخْبَرِ (١)

وقد رَوَى أبو عُبَيْدٍ في "الأموالِ"، عن ابنِ شهابٍ؛ قال: كانتْ وقعةُ الأحزابِ بعدَ أُحُدٍ بسنتَيْن، وذلك يومَ حَفَرَ رسولُ اللهِ الخندقَ، ورئيسُ الكفارِ يومئذٍ أبو سُفْيانَ بن حَرْبٍ، فحاصَروا رسولَ اللهِ بضعَ عَشْرةَ ليلةً، فخلَصَ إلى المُسلِمينَ الكَرْبُ، فقال رسولُ اللهِ كما أخبَرَني سعيدُ بن المسيَّب -: (اللَّهُمَّ، إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ، إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدْ)، وحتى أَرسَلَ رسولُ اللهِ رسولًا إلى عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ وهو يومئذٍ رئيسُ الكفارِ مِن غَطَفَانَ، وهو مع أبي سُفْيانَ، فرَضَ عليه رسولُ اللهِ ثُلُثَ ثَمَرِ نَخْلِ المدينةِ؛ على أنْ يَخذُلَ الأحزابَ ويَنصرِفَ ومَن معه مِن غَطَفَانَ، فقال عُيَيْنةُ: بل أَعْطِني شَطْرَ ثَمَرِها، ثم أَفْعَلُ ذلك، فأرسَلَ رسولُ اللهِ إلى سعدِ بنِ معاذٍ، وهو سيدُ الأَوْس، وإلى سعدِ بنِ عُبَادَةَ، وهو سيدُ الخَزْرَج، فقال: (إِنَّ عُيَيْنَةَ قَدْ سَأَلنِي نِصْفَ ثَمَرِ نَخْلِكُمْ؛ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ وَيَخْذُلَ الْأَحْزَابَ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُهُ الثُّلُثَ، فَأَبَى إِلَّا النَّصْفَ، فَمَا تَرَيَانِ؟ )، قالَا: يا رسولَ الله، إنْ كنتَ أُمِرْتَ بشيءٍ فافعَلْهُ، فقال رسولُ اللهِ : (لَوْ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْتَأْمِرْ كُمَا فِيه، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيٌ أَعْرِضُهُ عَلَيْكُمَا)، قالا: فإنَّا لا نَرَى أنْ نُعْطِيَهُمْ إلَّا السيفَ، فقال رسولُ اللهِ : (فَنَعَمْ)، قال أبو عُبَيْدٍ: وقد فعَلَ مِثْلَ ذلك معاويةُ في إمارتِهِ (٢).


(١) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٥٤٠٩).
(٢) أخرجه أبو عبيد في "الأموال" (٤٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>