للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمانُ يكونُ بالقولِ الصريحِ والكِنَاية، ويكونُ بالإشارةِ بالبَدِ؛ كالإشارةِ بالإصبَعِ إلى السَّمَاء، فالإشارةُ بالأمانِ أمانٌ؛ كما قالَهُ مالكٌ والشافعيُّ وغيرُهما.

ويَصِحُّ الأمانُ بكلِّ لِسانِ يَفهَمُهُ السامعُ على أنه أمانٌ؛ فقد صحَّ عن أبي وائلٍ؛ قال: "أَتَانَا كَتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: لَا تَدْهَلْ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَإِذَا قَالَ: لَا تَخَفْ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَإِذَا قَالَ: مَتَرْسْ، فَقَدْ أَمَّنَه؛ قَالَ: اللهُ يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ"؛ رواهُ عبد الرزَّاق وابنُ أبي شيبةَ والبيهقي (١).

* * *

قال تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلَّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: ٧ - ٨].

في هذه الآيةِ: بيانٌ لسبب إنهاء العهدِ الذي بين المُسلِمينَ ومَن له عهدٌ مُطلَقٌ مِن المشرِكينَ، وأنَّ اللهَ أرادَ إنهاءَ ذلك؛ لأنَّه يُبقِيهم على الشِّرْكِ الدائمِ؛ فإنَّ الصُّلْحَ معَ المشرِكِ الوثَنيِّ إذا كان دائمًا. يُبقيهِ على وثَنيَّتِهِ وكفرِهِ دومًا، وَيجعلُهُ عاليًا نِدًّا للمُسلِمينَ، وظاهرُ الآياتِ تحريمُ العهدِ المطلَقِ إلَّا لضرورةٍ في زمَنِ ضَعْفِ المُسلِمينَ وتكالُبِ الأُمَمِ عليهم؛ فإنَّ الزمنَ الذي يكونُ فيه عهدٌ وسلامٌ مطلَقٌ: تتساوَى فيه أمَّةُ


(١) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٩٤٢٩)، وابن أبو شيبة في "المصنف" (٣٣٤٠٣)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>