الثالثُ: أنَّ راويَ الأثرِ الأوَّلِ عن أنسٍ قتادةُ، وقتادةُ يُفتي بعدَمِ وجوبِ الزَّكَاةِ على الحُلِيِّ؛ وهو أعلَمُ بقيدِ أنسٍ.
روى ذلك عنه أبو عُبَيْدٍ في "الأموالِ" وغيرُه (١).
وعمومُ البَلْوَى بالحُلِيِّ للنِّساءِ أكثَرُ مِن عمومِ البلوى ببعضِ صورِ البيعِ وأحكامِه، وقد صحَّ الدليلُ فيها بأقوى الأسانيد، وزكاةُ الحُلِيِّ لو كانتْ ثابِتةً في الشريعة، لَجَاءَ بها النصُّ بسندٍ قويٍّ.
* * *
قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٣٦].
ذكَرَ اللهُ عدَدَ الشهور، وذكَر منها الأربعةَ الحُرُمَ، وتقدَّم الكلامُ عليها في سورةِ البقَرةِ وغيرِها، وبيَّنَّا أنَّ تحريمَ القتالِ فيها منسوخٌ، وبقاءَ تعظيمِها محكَمٌ، وفي دليلِ الخطابِ: أنَّ العملَ الصالحَ فيها معظَّمٌ، وقد كان النبيُّ ﷺ يَحرِصُ على صومِ شهرِ اللهِ المحرَّم، وجعَلَ صيامَهُ أفضَلَ صيامِ نافلةِ الأشهُرِ؛ لأنَّ مُقتضى تعظيمِ الذنوبِ في موضعٍ وزمانٍ يدُلُّ على تعظيمِ الطاعاتِ فيه؛ فرحمةُ اللهِ سابقةٌ لِغَضَبِه.
وتعظيمُ حُرْمةِ المسجِدِ الحرامِ أعظَمُ مِن الأشهُرِ الحُرُمِ؛ لأنَّ الأشهُرَ الحُرُمَ إنَّما حُرِّمَتْ لأجلِ المسجِدِ الحرام، وخَشْيةَ الصدِّ عنه، ولم تُعظَّمْ لِذَاتِها؛ كتعظيمِ رَمَضانَ وغيرِهِ مِن الزمان، ثم تَبِعَها أحكامٌ اختَصَّتْ بها؛ كما تقدَّمَ بيانُه.
(١) أخرجه أبو عبيد في "الأموال" (١٢٨٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute